ثم دخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة
 
فيها ورد كتاب من القاضي الفاضل من مصر إلى الناصر وهو بالشام يهنيه بسلامة أولاده الملوك الأثني عشر يقول وهم بحمد إلله بهجة الحياة وزينتها وريحانة القلوب والأرواح وزهرتها إن فؤادا وسع فراقهم لواسع وإن قلبا قنع بأخبارهم لقانع وإن طرفا نام عن البعد عنهم لهاجع وإن ملكا ملك صبره عنهم لحازم وإن نعمة الله بهم لنعمة بها العيش ناعم أما يشتاق جيد المولى أن تطوق بدررهم أما تظمأ عينه أن تروى بنظرهم أما يحن قلبه للقيهم أما يلتقط هذا الطائر بفتيلهم وللمولى ابقاه الله أن يقول
وما مثل هذا الشوق يحمل بعضه * وكلن قلبي في الهوى يتقلب
وفيها اسقط صلاح الدين المكوس والضرائب عن الحجاج بمكة وقد كان يؤخذ من حجاج الغرب شيء كثير ومن عجز عن أدائه حبس فربما فاته الوقوف بعرفة وعوض أمير مكة بمال أقطعه إياه بمصر وأن يحمل إليه في كل سنة ثمانية آلاف أردب إلى مكة ليكون عونا له ولأتباعه ورفقا بالمجاورين وقررت للمجاورين أيضا غلات تحمل إليهم رحمه الله وفيها عصى الأمير شمس الدين بن مقدم ببعلبك ولم يجئ إلى خدمة السلطان وهو نازل على حمص وذلك أنه بلغه أن أخا السلطان توران شاه طلب بعلبك منه قأطلقها له فامتنع ابن المقدم من الخروج منها حتى جاء السلطان بنفسه فحصره فيها من غير قتال ثم عوض ابن المقدم عنه بتعويض كثير خير مما كان بيده فخرج منها وتسلمها وسلمها توران شاه قال ابن الأثير وكان في هذه السنة غلاء شديد بسبب قلة المطر عم العراق والشام وديار مصر واستمر إلى سنة خمس وسبعين فجاء المطر ورخصت الأسعار ثم عقب ذلك وباء شديد وعم البلاد مرض آخر وهو السرسام فما ارتفع إلا في سنة ست وسبعين فمات بسبب ذلك خلق كثير وامم لايعلم عددهم إلا الله وفي رمضان منها وصلت خلع الخليفة إلى الملك صلاح الدين وهو بدمشق وزيد في القابه معز أمير المؤمنين وخلع على أخيه توران شاه ولقب بمصطفى أمير المؤمنين وفيها جهز الناصر ابن أخيه فروخ شاه بن شاهنشاه بين يديه لقتال الفرنج الذين عاثوا في نواحي دمشق فنهبوا ما حولها وأمره أن يداريهم حتى يتوسطوا البلاد ولا يقاتلهم حتى يقدم عليه فلما رأوه عاجلوه بالقتال فكسرهم وقتل من ملوكهم صاحب الناصرة الهنفري وكان من أكابر ملوكهم وشجعانهم لا ينهنه اللقاء فكبته الله في هذه الغزوة ثم ركب الناصر في أثر ابن أخيه فما وصل إلى الكسوة حتى تلقته الرؤس على الرماح والغنائم والأسارى وفيها بنت الفرنج قلعة عند بيت الأحزان للداوية فجعلوها مرصد لحرب المسلمين وقطع طريقهم ونقضت ملوكهم العهود التي كانت بينهم وبين صلاح الدين وأغاروا على نواحي البلدان من كل جانب ليشغلوا المسلمين عنهم وتفرقت جيوشهم فلا تجتمع في بقعة واحدة فرتب السلطان ابن أخيه عمر على حماه ومعه ابن مقدم وسيف الدين علي بن أحمد المشطوب بنواحي البقاع وغيرها وبثغر حمص ابن عمه ناصر الدين بن أسد الدين شيركوه وبعث إلى أخيه الملك أبي بكر العادل نائبه بمصر أن يبعث إليه ألفا وخمسمائة فارس يستعين بهم على قتال الفرنج وكتب إلى الفرنج يأمرهم بتخريب هذا الحصن الذي بنوه للداوية فامتنعوا إلا أن يبذل لهم ما غرموه عليه فبذل لهم ستين ألف دينار فلم يقبلوا ثم أوصلهم إلى مائة ألف دينار فقال له ابن أخيه تقي الدين عمر ابذل هذا إلى اجناد المسلمين وسر إلى هذا الحصن فخربه فأخذ بقوله في ذلك وخربه في السنة إلاتية كما سنذكره وفيها أمر الخليفة المستضئ بكتابة لوح على قبر الإمام أحمد بن حنبل فيه آية الكرسي وبعدها هذا قبر تاج السنة وحبر الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد وذكروا تاريخ وفاته رحمه الله تعالى وفيها احتيط ببغداد على شاعر ينشد للروافض أشعارا في ثلب الصحابة وسبهم وتهجين من يحبهم فعقد له مجلس بأمر الخليفة ثم استنطق فإذا هو رافضي خبيث داعية إليه فأفتى الفقهاء بقطع لسانه ويديه ففعل به ذلك ثم اختطفته العامة فما زالوا يرمونه بالآجر حتى ألقى نفسه في دجلة فاستخرجوه منها فقتلوه حتى مات فأخذوا شريطا وربطوه في رجله وجروه على وجهه حتى طافوا به البلد وجميع الأسواق ثم ألقوه في بعض الآتونة مع الآجر والكلس وعجز الشرط عن تخليصه منهم
وفيها توفي من الأعيان :