ثم دخلت سنة خمس وسبعين وخمسمائة
 
وفيها كانت وقعة مرج عيون استهلت هذه السنة والسلطان صلاح الدين الناصر نازل بجيشه على تل القاضي ببانياس ثم قصده الفرنج بجمعهم فنهض إليهم فما هو إلا أن التقى الفريقان واصطدم الجندان فأنزل الله نصره وأعز جنده فولت ألوية الصلبان ذاهبة وخيل الله لركابهم راكبة فقتل منهم خلق كثير وأسر من ملوكهم جماعة وأنابوا إلى السمع والطاعة منهم مقدم الداوية ومقدم الإبسباتارية وصاحب الرملة وصاحب طبرية وقسطلان يافا وآخرون من ملوكهم وخلق من شجعانهم وابطالهم ومن فرسان القدس جماعة كثيرون تقريبا من ثلاثمائة أسير من أشرافهم فصاروا يهانون في القيود قال العماد فاستعرضهم السلطان في الليل حتى اضاء الفجر وصلى يومئذ الصبح بوضوء العشاء وكان جالسا ليلتئذ في نحو العشرين والفرنج كثير فسلمه الله منهم ثم أرسلهم إلى دمشق ليعتقلوا بقلعتها فافتدى ابن البارزاني صاحب الرملة نفسه بمائة ألف وخمسين ألف دينار صورية وإطلاق ألف أسير من بلاده فأجيب إلى ذلك وافتدى جماعة منهم أنفسهم بأموال جزيلة ومنهم من مات في السجن واتفق أنه في اليوم الذي ظفر فيه السلطان بالفرنج بمرج عيون ظهر أسطول المسلمين على بطشه للفرنج في البحر وأخرى معها فغنموا منها ألف رأس من السبي وعاد إلى الساحل مؤيدا منصورا وقد امتدح الشعراء السلطان في هذه الغزوة بمدائح كثيرة وكتب بذلك إلى بغداد فدقت البشائر بها فرحا وسرورا وكان الملك المظفر تقي الدين عمر غائبا عن هذه الوقعة مشتغلا بما هو أعظم منها وذلك أن ملك الروم فرارسلان بعث يطلب حصن رعنان وزعم أن نور الدين اغتصبه منه وأن ولده قد عصى فلم يجبه إلى ذلك السلطان فبعث صاحب الروم
عشرين ألف مقاتل يحاصرونه فأرسل السلطان تقي الدين عمر في ثمانمائة فارس منهم سيف الدين علي بن أحمد المشطوب فالتقوا معهم فهزموهم بإذن الله واستقرت يد صلاح الدين على حصن رعنان وقد كان مما عوض به ابن المقدم عن بعلبك وكان تقي الدين عمر يفتخر بهذه الوقعة ويرى أنه قد هزم عشرين ألفا وقيل ثلاثين ألفا بثمانمائة وكان السبب في ذلك أنه بيتهم وأغار عليهم فما لبثوا بل فروا منهزمين عن آخرهم فأكثر فيهم القتل واستحوذ على جميع ما تركوه في خيامهم ويقال إنه كسرهم يوم كسر السلطان الفرنج بمرج عيون والله أعلم

الموضوع التالي


ذكر تخريب حصن الأحزان

الموضوع السابق


محمد بن نسيم