ذكر تخريب حصن الأحزان
 
وهو قريب من صفد ثم ركب السلطان إلى الحصن الذي كانت الفرنج قد بنوه في العام الماضي وحفروا فيه بئرا وجعلوه لهم عينا وسلموه إلى الدواية فقصده السلطان فحاصره ونقبه من جميع جهاته وألقى فيه النيران وخربه إلى الأساس وغنم جميع ما فيه فكان فيه مائة ألف قطعة من السلاح ومن المأكل شيء كثير وأخذ منه سبعمائة أسير فقتل بعضا وارسل إلى دمشق الباقي ثم عاد إلى دمشق مؤيدا منصورا غير أنه مات من أمرائه عشرة بسبب ما نالهم من الحر والوباء في مدة الحصار وكانت أربعة عشر يوما ثم إن الناس زاروا مشهد يعقوب على عادتهم وقد امتدحه الشعراء فقال بعضهم
بجدك أعطاف القنا قد تعطفت * وطرف الأعادي دون مجدك يطرف
شهاب هدى في ظلمة الليل ثاقب * وسيف إذا ما هزه الله مرهف
وقفت على حصن المحاض وإنه * لموقف حق لا يوازيه موقف
فلم يبد وجه الأرض بل حال دونه * رجال كآساد الثرى وهي ترجف
وجرد سلهوب درع مضاعف * وابيض هندي ولدن مهفهف
وما رجعت أعلامك البيض ساعة * إلا غدت أكبادها السود ترجف
كنائش أغياد صليب وبيعة * وشاد به دين حنيف ومصحف
صليب وعباد الصليب ومنزل * لنوال قد غادرته وهو صفصف
أتكسن أوطان النبيين عصبة * تمين لدى أيمانها وهي تحلف
نصحتكم والنصح في الدين واجب * ذروا بيت يعقوب فقد جاء يوسف
وقال آخر * هلاك الفرنج أتى عاجلا
وقد آن تكسير صلبانها
ولو لم يكن قد دنا حتفها * لما عمرت بيت أحزانها
من كتاب كتبه القاضي الفاضل إلى بغداد في خراب هذا الحصن وقد قيس عرض حائطه فزاد على عشرة أذرع وقطعت له عظام الحجارة كل فص منها سبعة أذرع إلى ما فوقها وما دونها وعدتها تزيد على عشرين ألف حجر لا يستقر الحجر في بنيانه إلا بأربعة دنانير فما فوقها وفيما بين الحائطين حشو من الحجارة الضخمة الصم أتوا بها من رؤس الجبال الشم وقد جعلت شعبيته بالكلس الذي إذا أحاطت بالحجر مازجه بمثل جسمه ولا يستطيع الحديد أن يتعرض إلى هدمه وفيها أقطع صلاح الدين ابن أخيه عزالدين فروخ شاه بعلبك وأغار فيها على صفت وأعمالها فقتل طائفة كبيرة من مقاتليها وكان فروخ شاه من الصناديد الأبطال وفيها حج القاضي الفاضل من دمشق وعاد إلى مصر فقاسى في الطريق أهوال ولقي ترحا وتعبا وكلالا وكان في العام الماضي قد حج من مصر وعاد إلى الشام وكان ذلك العام في حقه أسهل من هذا العام وفيها كانت زلزلة عظيمة انهدم بسببها قلاع وقرى ومات خلق كثير فيها من الورى وسقط من رؤس الجبال صخور كبار وصادمت بين الجبال في البراري والقفار مع بعد ما بين الجبال من الأقطار وفيها أصاب الناس غلاء شديد وفناء شريد وجهد جهيد فمات خلق كثير بهذا وهذا فإنا لله وإنا إليه راجعون