قصة عكا وما كان من أمرها
 
لما كان شهر رجب اجتمع من كان بصور من الفرنج وساروا إلى مدينة عكا فأحاطوا بها يحاصرونها فتحصن من فيها من المسلمين وأعدوا للحصار ما يحتاجون إليه وبلغ السلطان خبرهم فسار إليهم من دمشق مشرعا فوجدهم قد أحاطوا بها إحاطة الخاتم بالخنصر فلم يزل يدافعهم عنها ويمانعهم منها حتى جعل طريقا إلى باب القلعة يصل إليه كل من أراده من جندي وسوقي وامرأة وصبي ثم أدخل إليها ما أراد من الآلات والأمتعة ودخل هو بنفسه فعلا على سورها ونظر إلى الفرنج وجيشهم وكثرة عددهم وعددهم والميرة تفد إليهم في البحر في كل وقت وكل ما لهم في ازدياد وفي كل حين تصل إليهم الأمداد ثم عاد إلى مخيمه والجنود تفد إليه وتقدم عليه من كل جهة ومكان منهم رجال وفرسان فلما كان في العشر الأخير من شعبان برزت الفرنج من مراكبها إلى مواكبها في نحو من الفي فارس وثلاثين ألف راجل فبرز إليهم السلطان فيمن معه من الشجعان فاقتتلوا بمرج عكا قتالا عظيما وهزم جماعة من المسلمين في أول النهار ثم كانت الدائرة على الفرنج فكانت القتلى بينهم أزيد من سبعة آلاف قتيل ولما تناهت هذه الوقعة تحول السلطان عن مكانه الأول إلى موضع بعيد من رائحة القتلى خوفا من الوخم والأذى وليستريح الخيالة والخيل ولم يعلم أن ذلك كان من أكبر مصالح العدو المخذول فإنهم اغتنموا هذه الفرصة فحفروا حول مخيمهم خندقا من البحر محدقا بجيشهم واتخذوا من ترابه سورا شاهقا وجعلوا له أبوابا يخرجون منها إذا أرادوا وتمكنوا في منزلهم ذلك الذي اختاروا وارتادوا وتفارط الأمر على المسلمين وقوى الخطب وصار الداء عضالا وازداد الحال وبالا اختبارا من الله وامتحانا وكان رأي السلطان أن يناجزوا بعد الكرة سريعا ولا يتركوا حتى يطيب البحر فتأتيهم الأمداد من كل صوب فتعذر عليه الأمر بإملال الجيش والضجر وكل منهم لأمر الفرنج قد احتقر ولم يدر ما قد حتم في القدر فأرسل السلطان إلى جميع الملوك يستنفر ويستنصر وكتب إلى الخليفة بالبث وبث الكتب بالتحضيض والحث السريع فجاءته الأمداد جماعات وآحادا وأرسل إلى مصر يطلب أخاه العادل ويستعجل الأسطول فقدم عليه فوصل إليه خمسون قطعة في البحر مع الأمير حسام الدين لؤلؤ وقدم العادل في عسكر المصريين فلما وصل الاسطول حادت مراكب الفرنج عنه يمنة ويسرة وخافوا منه واتصل بالبلد الميرة والعدد والعدد وانشرحت الصدور بذلك وانسلخت هذه السنة والحال ما حال بل هو على ما هو عليه ولا ملجأ من الله إلا إليه وفيها توفي من الأعيان :