ثم دخلت سنة سبع وثمانين وخمسمائة
 
فيها قدم ملك الفرنسيس وملك انكلترا وغيرهما من ملوك البحر الفرنج على أصحابهم الفرنج إلى عكا وتمالؤا على أخذ عكا في هذه السنة كما سيأتي تفصيله وقد استهلت هذه السنة والحصار الشديد على عكا من الجانبين وقد استكمل دخول العدو إلى البلد والملك العادل مخيم إلى جانب البحر ليتكامل دخولهم ودخول ميرتهم وفي ليلة مستهل ربيع الأول منها خرج المسلمون من عكا فهجموا على مخيم الفرنج فقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا وغنموا شيئا كثيرا سبوا اثنى عشر امرأة وانكسر مركب عظيم للفرنج فغرق ما فيه منهم وأسر باقيهم وأغار صاحب حمص أسد الدين بن شيركوه على سرح الفرنج بأراضي طرابلس فاستاق منهم شيئا كثيرا من الخيول والأبقار والأغنام وظفر الترك بخلق كثير من الفرنج فقتلوهم ولم يقتل من المسلمين سوى طواش صغير عثر به فرسه وفي ثاني عشر ربيع الأول وصل إلى الفرنج ملك الفرنسيين في قريب من ستين بطش ملعونة مشحونة بعبدة الصليب فحين وصل إليهم وقدم عليهم لم يبق لأحد من ملوكهم معه كلام ولاحكم لعظمته عندهم وقدم معه باز عظيم أبيض وهو الأشهب هائل فطار من يده فوقع على سور عكا فأخذه أهلها وبعثوه إلى السلطان صلاح الدين فبذل الفرنجي فيه ألف دينار فلم يجبه إلى ذلك وقدم بعده كيد فرير وهو من أكابر ملوكهم أيضا ووصلت سفن ملك الإنكليز ولم يجيء ملكهم لاشتغاله بجزيرة قبرص وأخذها من يد صاحبها وتواصلت ملوك الإسلام أيضا من بلدانها في أول فصل الربيع لخدمة الملك الناصر قال العماد وقد كان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام الفرنج فيسرقون حتى أنهم كانوا يسرقون الرجال فاتفق أن بعضهم أخذ صبيا رضيعا من مهده ابن ثلاثة أشهر فوجدت عليه أمه وجدا شديدا واشتكت إلى ملوكهم فقالوا لها إن سلطان المسلمين رحيم القلب وقد أذنا لك أن تذهبي إليه فتشكي أمرك إليه قال العماد فجاءت إلى السلطان فأنهت إليه حالها فرق لها رقة شديدة حتى دمعت عينه ثم أمر بإحضار ولدها فإذا هو قد بيع في السوق فرسم بدفع ثمنه إلى المشتري ولم يزل واقفا حتى جيء بالغلام فأخذته أمه وأرضعته ساعة وهي تبكي من شدة فرحها وشوقها إليه ثم أمر بحملها إلى خيمتها على فرس مكرمة رحمه الله تعالى وعفا عنه