فصل فيما حدث بعد أخذ الفرنج عكا
 
ساروا برمتهم قاصدين عسقلان والسلطان بجيشه يسايرهم ويعارضهم منزلة منزلة والمسلمون يتخطفونهم ويسلبونهم في كل مكان وكل أسير أتى به إلى السلطان يأمر بقتله في مكانه وجرت خطوب بين الجيشين ووقعات متعددات ثم طلب ملك الانكليز أن يجتمع بالملك العادل أخى السلطان يطلب منه الصلح والأمان على أن يعاد لأهلها بلاد السواحل فقال له العادل إن دون ذلك قتل كل فارس منكم وراجل فغضب اللعين ونهض من عنده غضبان ثم اجتمعت الفرنج على حرب السلطان عند غابة أرسوف فكانت النصرة للمسلمين فقتل من الفرنج عند غابة أرسوف ألوف بعد ألوف وقتل من المسلمين خلق كثير أيضا وقد كان الجيش فرعن السلطان في أول الواقعة ولم يبق معه سوى سبعة عشر مقاتلا وهو ثابت صابر والكؤسات لاتفتر والأعلام منشورة ثم تراجع الناس فكانت النصرة للمسلمين ثم تقدم السلطان بعساكره فنزل ظاهر عسقلان فأشار ذوو الرأى على السلطان بتخريب عسقلان خشية أن يتملكها الكفار ويجعلونها وسيلة إلى أخذ بيت المقدس أو يجري عندها من الحرب والقتال نظير ما كان عند عكا أوشد فبات السلطان ليلته مفكرا في ذلك فلما أصبح وقد أوقع الله في قلبه أن خرابها هو المصلحة فذكر ذلك لمن حضره وقال لهم والله لموت جميع أولادي أهون على من تخريب حجر واحد منها
ولكن إذا كان خرابها فيه مصلحة للمسلمين فلا بأس به ثم طلب الولاة وأمرهم بتخريب البلد سريعا قبل وصول العدو إليها فشرع الناس في خرابه وأهله ومن حضره يتباكون على حسنه وطيب مقيله وكثرة زروعه وثماره ونضارة أنهاره وأزهاره وكثرة رخامه وحسن بنائه وألقيت النار في سقوفه وأتلف ما فيه من الغلات التي لايمكن تحويلها ولا نقلها ولم يزل الخراب والحريق فيه من جمادى الآخرة إلى سلخ شعبان من هذه السنة ثم رحل السلطان منها في ثاني رمضان وقد تركها قاعا صفصفا ليس فيها معلمة لأحد ثم اجتاز بالرملة فخرب حصنها وخرب كنيسة لد وزار بيت المقدس وعاد إلى المخيم سريعا وبعث ملك الإنكليز إلى السلطان إن الأمر قد طال وهلك الفرنج والمسلمون وإنما مقصودنا ثلاثة أشياء لا سواها رد الصليب وبلاد الساحل وبيت المقدس لانرجع عن هذه الثلاثة ومنا عين تطرف فأرسل إليه السلطان أشد جواب وأسد مقال فعزمت الفرنج على قصد بيت المقدس فتقدم السلطان بجيشه إلى القدس وسكن في دار القساقس قريبا من قمامة في ذي القعدة وشرع في تحصين البلد وتعميق خنادقه وعمل فيه بنفسه وأولاده وعمل فيه الأمراء والقضاة والعلماء والصالحون وكان وقتا مشهودا واليزك حول البلد من ناحية الفرنج وفي كل وقت يستظهرون على الفرنج ويقتلون ويأسرون ويغنمون ولله الحمد والمنة وانقضت هذه السنة والأمر على ذلك وفيها على ما ذكره العماد تولى القضاء محي الدين محمد بن الزكي بدمشق وفيها عدى أمير مكة داود بن عيسى بن فليتة بن هاشم بن محمد بن أبي هاشم الحسني فأخذ أموال الكعبة حتى انتزع طوقا من فضة كان على دائرة الحجر الأسود كان قد لم شعثه حين ضربه ذلك القرمطي بالدبوس فلما بلغ السلطان خبره من الحجيج عزله وولى أخاه بكيرا ونقض القلعة التي كان بناها أخوه على أبي قبيس وأقام داود بنخله حتى توفي بها سنة سبع وثمانين وفيها توفي من الأعيان :