أبو علي عبدالرحيم بن القاضي الأشرف
 
أبي المجد علي بن الحسن بن البيساني المولى الأجل القاضي الفاضل كان أبوه قاضيا بعسقلان فأرسل ولده في الدولة الفاطمية إلى الديار المصرية فاشتغل بها بكتابة الانشاء على أبي الفتح قادوس وغيره فساد أهل البلاد حتى بغداد ولم يكن له في زمانه نظير ولا فيما بعده إلى وقتنا هذا مثيل ولما استقر الملك صلاح الدين بمصر جعله كاتبه وصاحبه ووزيره وجليسه وأنيسه وكان أعز عليه من اهله وأولاده وتساعدا حتى فتح الاقاليم والبلاد هذا بحسامه وسنانه وهذا بقلمه ولسانه وبيانه وقد كان الفاضل من كثرة أمواله كثير الصدقات والصلات والصيام والصلاة وكان يواظب كل يوم وليلة على ختمة كاملة مع ما يزيد عليها من نافلة رحيم القلب حسن السيرة طاهر القلب والسريرة له مدرسة بديار مصر على الشافعية والمالكية وأوقاف على تخليص الاساري من يدي النصاري وقد اقتنى من الكتب نحوا من مائة ألف كتاب وهذا شيء لم يفرح به أحد من الوزراء ولا العلماء ولا الملوك ولد في سنة ثنتين وخمسمائة توفي يوم دخل العادل إلى مصر صر بمدرسته فجأة يوم الثلاثاء سادس ربيع الآخر واحتفل الناس بجنازته وزار قبره في اليوم الثاني الملك العادل وتأسف عليه ثم استوزر العادل صفي الدين بن شكر فلما سمع الفاضل بذلك دعا الله ان لا يحييه إلى هذه الدولة لما بينهما من المنافسة فمات ولم ينله أحد بضيم ولا أذى ولا رأى في الدولة من هو أكبر منه وقد رثاه الشعراء بأشعار حسنة منها قول القاضي هبة الله بن سناء الملك
عبد الرحيم على لابرية رحمة * امنت بصحبتها حلول عقابها
يا سائلي عنه وعن اسبابه * نال السماء فسله عن أسبابها
وأتته خاطبة إليه وزارة * ولطال ما أعيت على خطابها
وأتت سعادته إلى أبوابه * لا كالذي يسعى إلى أبوابها
تعنوا الملوك لوجهه بوجوهها * لا بل تساق لبابه برقابها
شغل الملوك بما يزول ونفسه * مشغولة بالذكر في محرابها
في الصوم والصلوات أتعب نفسه * وضمان راحته على إتعابها
وتعجل الاقلاع عن لذاته * ثقة بحسن مآلها ومآبها
فلتفخر الدنيا بسائس ملكها * منه ودارس علمها وكتابها
صوامها قوامها علامها * عمالها بذالها وهابها
والعجب أن الفاضل مع براعته ليس له قصيدة طويلة وإنما له ما بين البيت والبيتين في اثناء رسائله وغيرها شيء كثير جدا فمن ذلك قوله
سبقتم باسداء الجميل تكرما * وما مثلكم فيمن يحدث أو يحكى
وكان ظني أن أسابقكم به * ولكن بلت قبلي فهيج لي البكا
وله * ولي صاحب ما خفت من جور حادث
من الدهر إلا كان لي من ورائه
إذا عضني صرف الزمان فانني * براياته أسطو عليه ورائه
وله في بدو امره * أرى الكتاب كلهم جميعا
بأرزاق تعمهم سنينا
ومالي بينهم رزق كأني * خلقت من الكرام الكاتبينا
وله في النحلة والزلقطة * ومغردين تجاوبا في مجلس
منعاهما لأذاهما الأقوام
هذا يجود بعكس ما يأتي به * هذا فيحمد ذا وذاك يلام
وله * بتنا على حال تسر الهوى
لكنه لا يمكن الشرح *
بوابنا الليل وقلنا له * إن غبت عنا هجم الصبح
وأرسلت جارية من جواري الملك العزيز إلى الملك العزيز زرا من ذهب مغلف بعنبر أسود فسأل الملك الفاضل عن معنى ما أرادت بإرساله فأنشا يقول
أهدت لك العنبر في وسطه * زر من التبر رقيق اللحام
فالزر في العنبر معناهما * زر هكذا مختفيا في الظلام
قال ابن خلكان وقد اختلف في لقبه فقيل محيي الدين وقيل مجير الدين وحكى عن عمارة اليمني أنه كان يذكر جميل وأن العادل بل الصالح هو الذي استقدمه من الاسكندرية وقد كان معدودا في حسناته وقد بسط ابن خلكان ترجمته بنحو ما ذكرنا وفي هذه زيادة كثيرة والله أعلم