ثم دخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة
 
فيها اشتد الغلاء بأرض مصر جدا فهلك خلق كثير جدا من الفقراء والاغنياء ثم اعقبه فناء عظيم حتى حكى الشيخ أبو شامة في الذيل أن العادل كفن من ماله في مدة شهر من هذه السنة نحوا من مائتي ألف وعشرين ألف ميت وأكلت الكلاب والميتات فيها بمصر وأكل من الصغار والاطفال خلق كثير يشوي الصغير والداه وياكلانه وكثر هذا في الناس جدا حتى صار لا ينكر بينهم فلما فرغت الاطفال والميتات غلب القوى الضعيف فذبحه وأكله وكان الرجل يحتال على الفقير فيأتي به ليطعمه أو ليعطيه شيئا ثم يذبحه ويأكله وكان أحدهم بذبح امراته ويأكلها وشاع هذا بينهم بلا إنكار ولا شكوى بل يعذر بعضهم بعضا ووجد عند بعضهم أربعمائة رأس وهلك كثير من الاطباء الذين يستدعون إلى المرضى فكانوا يذبحون ويؤكلون كان الرجل يستدعى الطبيب ثم يذبحه ويأكله وقد استدعى رجل طبيبا حاذقا وكان الرجل موسرا من أهل المال فذهب الطبيب معه على وجل وخوف فجعل الرجل يتصدق على من لقيه في الطريق ويذكر الله ويسبحه ويكثر من ذلك فارتاب به الطبيب وتخيل منه ومع هذا حمله الطمع على الاستمرار معه حتى دخل داره فإذا هي خربة فارتاب الطبيب أيضا فخرج صاحبه فقال له ومع هذا البطء جئت لنا بصيد فلما سمعها الطبيب هرب فخرجا خلفه سراعا فما خلص إلا بعد جهد وشر وفيها وقع وباء شديد ببلاد عنزة بين الحجاز واليمن وكانوا عشرين قرية فبادت منها ثماني عشرة لم يبق فيها ديار ولا نافخ نار وبقيت أنعامهم وأموالهم لا قاني لها ولا يستطيع أحد أن يسكن تلك القرى ولا يدخلها بل كان من اقترب إلى شيء من هذه القرى هلك من ساعته نعوذ بالله من باس الله وعذابه وغضبه وعقابه أما القريتان الباقيتان فإنهما لم يمت منهما أحد ولا عندهم شعور بما جرى على من حولهم بل هم على حالهم لم يفقد منهم أحد فسبحان الحكيم العليم
واتفق باليمن في هذه السنة كائنة غريبة جدا وهي ان رجلا يقال له عبد الله بن حمزة العلوي كان قد تغلب على كثير من بلاداليمن وجمع نحوا من اثني عشر الف فارس ومن الرجالة جمعا كثيرا وخافه ملك اليمن إسماعيل بن طغتكين بن أيوب وغلب على ظنه زوال ملكه على يدي هذا الرجل وأيقن بالهلكة لضعفه عن مقاومته واختلاف امرائه معه في المشورة فأرسل الله صاعقة فنزلت عليهم فلم يبق منهم أحد سوى طائفة من الخيالة والرجالة فاختلف جيشه فيما بينهم فغشيهم المعز فقتل منهم ستة آلاف واستقر في ملكه آمنا
وفيها تكاتب الاخوان الأفضل من صرخد والظاهر من حلب على أن يجتمعا على حصار دمشق وينزعاها من المعظم بن العادل وتكون للأفضل ثم يسيرا إلى مصر فيأخذاها من العادل وابنه الكامل اللذين نقضا العهد وأبطلا خطبة المنصور ونكثا المواثيق فإذا أخذا مصر كانت للأفضل وتصير دمشق مضافة إلى الظاهر مع حلب فلما بلغ العادل ما تمالا عليه أرسل جيشا مددا لابنه المعظم عيسى إلى دمشق فوصلوا إليها قبل وصول الظاهر وأخيه إليها وكان وصولهما إليها في ذي القعدة من ناحية بعلبك فنزلا علىمسجد القدم واشتد الحصار للبلد وتسلق كثير من الجيش من ناحية خان القدم ولم يبق إلا فتح البلد لولا هجوم الليل ثم إن الظار بدا له في كون دمشق للأفضل فرأى أن تكون له اولا ثم إذا فتحت مصر تسلمها الأفضل فأرسل إليه في ذلك فلم يقبل الأفضل فاختلفا وتفرقت كلمتهما وتنازعا الملك بدمشق فتفرقت الأمراء عنهما وكوتب العادل في الصلح فأرسل يجيب إلى ما سألا وزاد في إقطاعهما شيئا من بلاد الجزيزة وبعض معاملة المعرة وتفرقت العساكر عن دمشق في محرم سنة ثمان وتسعين وسار كل منهما إلى ما تسلم من البلاد التي أقطعها وجرت خطوب يطول شرحها وقد كان الظاهر وأخوه كتبا إلى صاحب الموصل نور الدين أرسلان الأتابكي أن يحاصر مدن الجزيرة التي مع عمهما العادل فركب في جيشه وأرسل إلى ابن عمه قطب الدين صاحب سنجار واجتمع معهما صاحب ماردين الذي كان العادل قد حاصره وضيق عليه مدة طويلة فقصدت العساكر حران وبها الفائز بن العادل فحاصروه مدة ثم لما بلغهم وقوع الصلح عدلوا إلى المصالحة وذلك بعد طلب الفائز ذلك منهم وتمهدت الأمور واستقرت على ما كانت عليه
وفيها ملك غياث الدين وأخوه شهاب الدين الغوريان جميع ما كان يملك خوارزم شاه من البلدان والحواصل والأموال وجرت لهم خطوب طويلة جدا وفيها كانت زلزلة عظيمة ابتدأت من بلادالشام إلى الجزيرة وبلاد الروم والعراق وكان جمهورها وعظمها بالشام تهدمت منها دور كثيرة وتخربت محال كثيرة وخسف بقرية من ارض بصرى وأما سواحل الشام وغيرها فهلك فيها شيء
كثير وأخربت محال كثيرة من طرابلس وصور وعكا ونابلس ولم يبق بنابلس سوى حارة السامرة ومات بها وبقراها ثلاثون ألفا تحت الردم وسقط طائفة كثيرة من المنارة الشرقية بدمق بجامعها وأربع عشرة شرافة منه وغالب الكلاسة والمارستان النوري وخرج الناس إلى الميادين يستغيثون وسقط غالب قلعة بعلبك مع وثاقه بنياتها وانفرق البحر إلى قبرص وقد حذف بالمراكب منه إلى ساحله وتعدى إلى ناحية الشرق فسقط بسبب ذلك دور كثيرة ومات أمم لا يحصون ولا يعدون حتى قال صاحب مرآة الزمان إنه مات في هذه السنة بسبب الزلزلة نحو ألف ألف ومائة ألف إنسان قتلا تحتها وقيل إن احدا لم يحص من مات فيها والله سبحانه اعلم وفيها توفي من الاعيان :