ثم دخلت سنة خمس وستمائة
 
في محرمها كمل بناء دار الضيافة ببغداد التي أنشأها الناصر لدين الله بالجانب الغربي منها للحجاج والمارة لهم الضيافة ما داموا نازلين بها فإذا أراد أحدهم السفر منها زوج وكسي واعطى بعد ذلك دينارا جزاه الله خيرا وفيها عاد أبو الخطاب ابن دحية الكلبي من رحلته العراقية فاجتاز بالشام فاجتمع في مجلس الوزير الصفي هو والشيخ تاج الدين أبو اليمن الكندي شيخ اللغة والحديث فأورد ابن دحية في كلامه حديث الشفاعة حتى انتهى إلى قول إبراهيم عليه السلام إنما كنت خليلا من وراء وراء بفتح اللفظتين فقال الكندي من وراء وراء بضمهما فقال ابن دحية للوزير ابن شكر من هذا فقال هذا أبو اليمن الكندي فنال منه ابن دحية وكان جرئيا فقال الكندي هو من كلب ينبح كما ينبح الكلب قال أبو شامة وكلتا اللفظتين محكية وحكى فيهما الجر أيضا وفيها عاد فخر الدين ابن تيمية خطيب من حران من الحج إلى بغداد وجلس بباب بدر للوعظ مكان محيي الدين يوسف بن الجوزي فقال في كلامه ذلك
وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لم يستطع صولة البزل القناعيس
كأنه يعرض بابن الجوزي يوسف لكونه شابا ابن خمس وعشرين سنة والله أعلم
وفي يوم الجمعة تاسع محرم دخل مملوك افرنجي من باب مقصورة جامع دمشق وهو سكران وفي يده سيف مسلول والناس جلوس ينتظرون صلاة الفجر فمال على الناس يضربهم بسيفه فقتل اثنتين أو ثلاثة وضرب المنبر بسيفه فانكسر سيفه فأخذوا أودع المارستان وشنق في يومه ذلك على جسر اللابادين
وفيها عاد الشيخ شهاب الدين السهروردي من دمشق بهدايا الملك العادل فتلقاه الجيش ومعه أموال كثيرة أيضا لنفسه وكان قبل ذلك فقيرا زاهدا فلما عاد منع من الوعظ وأخذت منه الربط التي يباشرها ووكل إلى ما بيده من الأموال فشرع في تفريقها على الفقراء والمساكين فاستغنى منه خلق كثير فقال المحيي ابن الجوزي في مجلس وعظه لا حاجة بالرجل يأخذ أموالا من غير حقها ويصرفها إلى من يستحقها ولو ترك على ما كان كان تركها أولى به من تناولها وإنما أراد أن ترتفع
منزلته ببذلها ويعود على حاله كما كان مباشره لما بذلها فليحذر العبد الدنيا فإنها خداعة غرارة تسترق فحول العلماء والعباد وقد وقع ابن الجوزي فيما بعد فيما وقع فيه السهروردي وأعظم وفيها قصدت الفرنج حمص وعبروا على العاصي يجسر عدوة فلما عرف بهم العساكر ركبوا في آثارهم فهربوا منهم فقتلوا خلقا كثيرا منهم وغنم المسلمون منهم غنيمة جيدة ولله الحمد
وفيها قتل صاحب الجزيرة وكان من أسوأ الناس الناس سيرة وأخبثهم سريرة وهو الملك سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر الانابكي ابن عم نور الدين صاحب الموصل وكان الذي تولى قتله ولده غازي توصل إليه حتى دخل عليه وفي في الخلاء سكران فضربه بسكين أربع عشرة ضربة ثم ذبحه وذلك كله ليأخذ الملك من بعده فحرمه الله إياه فبويع بالملك لأخيه محمود وأخذ غازي القاتل فقتله من يومه فسلبه الله الملك والحياة ولكن أراح الله المسلمين من ظلم أبيه وغشمه وفسقه وفيها توفي من الاعيان :