قتال أهل الردة
 

بسم الله الرحمن الرحيم


- لما توفي رسول الله اشتد الأمر على المسلمين لارتداد العرب وخافوا الإغارة على المدينة بعد أن سير أبو بكر جيش أسامة إذ قد استفحل أمر مسيلمة وطليحة واجتمع على طليحة عوام طيء وأسد وارتدت غطفان تبعا لعيينة بن حصين فإنه قال لنبي من الحليفين - يعني أسدا وغطفان - أحب إلينا من نبي من قريش . وقد مات محمد وطليحة حي فاتبعه وتبعته غطفان وكان عيينة من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة
وقدمت رسل النبي صلى الله عليه وسلم من اليمامة وأسد وغيرهما ودفعوا كتبهم لأبي بكر وأخبروه الخبر عن مسيلمة وطليحة فعزم أبو بكر على قتالهم واستعد لصد هجمات المغيرين إلى أن يأتي جيش أسامة والآن نذكر ما كان من أمر طليحة الذي ادعى النبوة


طليحة الأسدي


- طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة كان كاهنا فأسلم ثم ارتد وادعى النبوة في حياة رسول الله وظهر في بني أسد واتبعه أفاريق ( 1 ) من العرب ونزل سميراء ( 2 ) بطريق مكة فوجه إليه النبي صلة الله عليه وسلم ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه فضربه به بسيف فلم يصنع شيئا فاعتقد الناس أن السلاح لا يؤثر فيه فكثر جمعه ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك . وأكثر من تبعه من أسد وغطفان وطيء وفزارة وغيرهم وفر ضرار ومن معه إلى المدينة . وكان طليحة يدعي أن جبرائيل كان يأتيه . وكان يسجع للناس الأكاذيب وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة يقول : إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وتقبيح أدباركم شيئا فاذكروا الله قياما فإن الرغوة فوق الصريح . وأنفذ طليحة وفوده إلى أبي بكر في الموادعة على الصلاة ( 3 ) وترك الزكاة فأبى أبو بكر ذلك وكان لطليحة أخ يدعى حبال جعله على فريق من أتباعه . ولما عرض الوفد على أبي بكر ترك الزكاة قال : ( والله لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه ( 4 ) )
_________
( 1 ) في الحديث : أفاريق العرب وهو جمع أفراق وأفراق جمع فرقة
( 2 ) سميراء بفتح أوله وكسر ثانيه بالمد وقيل بالضم : ماء بين ثور والحاجز في طريق مكة
( 3 ) الموادعة : المصالحة
( 4 ) لو منعوني عقالا : قيل المراد الحبل وإنما ضرب به مثلا لتقليل ما عساهم أن يمنعوه . وقيل المراد بالعقال نفس الصدقة


الإغارة على المدينة


- توقع أبو بكر الإغارة على المدينة فجعل بعد سير الوفد على أنقاب المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الإغارة من العدو لقربهم . فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة ليلا وخلفوا بعضهم بذي حسى ( 1 ) ليكونوا لهم رداء ( 2 ) فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم خارج المدينة وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر فخرج إليهم جيش المدينة واتبعوهم حتى إذا كانوا بذي حسى خرج إليهم أصحاب طليحة بقرب قد نفخوها وفيها الحبال فدهدهوها ( 3 ) على الأرض فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم . وظن الكفار بالمسلمين الوهن ثم انضم إلى رجال طليحة غيرهم من أصحابه وبات أبو بكر بالمدينة يعبئ الجيش ثم خرج ليلا يمشي وعلى ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن وعلى الساقة سويد بن مقرن . فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد فقاتلهم المسلمون حتى ولوا مدبرين واقتفى أثرهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة ( 4 ) . وكان ذلك أول فتح فوضع بها الحامية وعليها النعمان بن مقرن وحلف أبو بكر ليقتلن من المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة وازداد المسلمون قوة وثباتا
كانت هذه الموقعة صغيرة ولكن كان للنصر الذي أحرزه أبو بكر شأن كبير ووقع عظيم في النفوس . وقد كان المرتدون يتحدثون فيما بينهم بقلة عدد المسلمين فلو أنهم انهزموا لكان الخطب فادحا . وعلى أثر هذا الانتصار طرقت المدينة الصدقات فانتعش المسلمون وقويت عزيمتهم وكان أول من جاء بالصدقات إلى الخليفة وفود بني تميم وبني طيء
_________
( 1 ) ذو حسى : واد بديار عبس وغطفان
( 2 ) معينا
( 3 ) دحرجوها
( 4 ) ذو القصة : موضع على بريد من المدينة






 

أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ محمد رضا ـ