ثم دخلت سنة اربع عشرة وستمائة
 
في ثالث المحرم منها كمل تبليط داخل الجامع الأموي وجاء المعتمد مبارز الدين إبراهيم المتولى بدمشق فوضع آخر بلاطة منه بيده عند باب الزيارة فرحا بذلك وفيها زادت دجلة ببغداد زيادة عظيمة وارتفع الماء حتى ساوى القبور إلا مقدار أصبعين ثم طفح الماء من فوقه وأيقن الناس بالهلكة واستمر ذلك سبع ليال وثمانية أيام حسوما ثم من الله فتناقص الماس وذهبت الزيادة وقد بقيت بغداد تلولا وتهدمت اكثر البنايات وفيها درس بالنظامية محمد بن يحيى بن فضلان وحضر عنده القضاة والأعيان وفيها صدر الصدر بن حمويه رسولا من العادل إلى الخليفة وفيها قدم ولده الفخر ابن الكامل إلى المعظم يخطب منه ابنته على ابنه أقسيس صاحب اليمن فعقد العقد بدمشق على صداق هائل وفيها قدم السلطان علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش من همدان قاصدا إلى بغداد في أربعمائة ألف مقاتل وقيل في ستمائة ألف فاستعد له الخليفة واستخدم الجيوش وارسل إلى الخليفة يطلب منه أن يكون بين يديه على قاعدة من تقدمه من الملوك السلاجقة وان يخطب له ببغداد فلم يجبه الخليفة إلى ذلك وارسل إليه الشيخ شهاب الدين السهروردي فلما وصل شاهد عنده من العظمة وكثرة الملوك بين يديه وهو جالس في حركاة من ذهب على سرير ساج وعليه قباء بخارى ما يساوي خمسة دراهم وعلى رأسه جلدة ما تساوي درهما فسلم عليه فلم يرد عليه من الكبر ولم يأذن له في الجلوس فقام إلى جانب السرير وأخذ في خطبة هائلة فذكر فيها فضل بني العباس وشرفهم وأورد حديثا في النهي عن أذاهم والترجمان يعيد على الملك فقال الملك أما ما ذكرت من فضل الخليفة فإنه ليس كذلك ولكني إذ قدمت بغداد اقمت من يكون بهذه الصفة وأما ما ذكرت من النهي عن أذاهم فإني لم أوذ منهم أحدا ولكن الخليفة في سجونه منهم طائفة كثيرة يتناسلون في السجون فهو الذي آذى بني العباس ثم تركه ولم يرد عليه جوابا بعد ذلك وانصرف السهروردي راجعا وأرسل الله تعالى على الملك وجنده ثلجا عظيما ثلاثة ايام حتى طم الحزاكي والخيام ووصل إلى قريب رؤس الأعلام وتقطعت أيدي رجال وأرجلهم وعمهم من البلاء مالا يحد ولا يوصف فردهم الله خائبين والحمد لله رب العالمين
وفيها انقضت الهدنة التي كانت بين العادل والفرنج واتفق قدوم العادل من مصر فاجتمع هو وابنه المعظم ببيسان فركبت الفرنج من عكا وصحبتهم ملوك السواحل كلهم وساقوا كلهم قاصدين معافصة العادل فلما أحس بهم فر منهم لكثرة جيوشهم وقلة من معه فقال ابنه المعظم إلى أين يا أبة فشتمه بالعجمية وقال له أقطعت الشام مماليكك وتركت أبناء الناس ثم توجه العادل إلى دمشق وكتب إلى واليها المعتمد ليحصنها من الفرنج وينقل إليها من الغلات من داريا إلى القلعة ويرسل الماء على أراضي داريا وقصر حجاج والشاعوز ففزع الناس من ذلك وابتهلوا إلى الله بالدعاء وكثر الضجيج بالجامع وأقبل السلطان فنزل مرج الصفر وأرسل إلى ملوك الشرق ليقدموا لقتال الفرنج فكان أول من قدم صاحب حمص أسد الدين فتلقاه انلاس فدخل من باب الفرج وجاء فسلم على ست الشام بدارها عند المارستان ثم عاد إلى داره ولما قدم أسد الدين سرى عن الناس فلما أصبح توجه نحو العادل إلى مرج الصفر وأما الفرنج فإنهم قدموا بيسان فنهبوا ما كان بها من الغلات والدواب وقتلوا وسبوا شيئا كثيرا ثم عاثوا في الأرض فسادا يقتلون وينهبون ويأسرون ما بين بيسان إلى بانياس وخرجوا إلى أراضي الجولان إلى نوى وغيرها وسار الملك المعظم فنزل على عقبة اللبن بين القدس ونابلس خوفا على القدس منهم فإنه هو الأهم الأكبر ثم حاصر الفرنج
حصن الطور حصارا هائلا ومانع عنه الذين به من الابطال ممانعة هائلة ثم كر الفرنج راجعين إلى عكا ومعهم الاسارى من المسلمين وجاء الملك المعظم إلى الطور فخلع على الأمراء الذين به وطيب نفوسهم ثم اتفق هو وابوه على هدمه كما سيأتي وفيها توفي من الاعيان :