ثم دخلت سنة خمس عشرة وستمائة
 
استهلت والعادل بمرج الصفر لمناجزة الفرنج وأمر ولده المعظم بتخريب حصن الطور فأخربه ونقل ما فيه من آلات الحرب وغيرها إلى البلدان خوفا من الفرنج وفي ربيع الاول نزلت الفرنج على دمياط وأخذوا برج السلسلة في جمادي الاولى وكان حصنا منيعا وهو قفل بلاد مصر وفيها التقى المعظم والفرنج على القيمون فكسرهم وقتل منهم خلقا واسر من الداوية مائة فأدخلهم إلى القدس منكسة أعلامهم وفيها جرت خطوب كثيرة ببلد الموصل بسبب موت ملوكها أولاد قرا أرسلان واحدا بعد واحد وتغلب مملوك أبيهم بدر الدين لؤلؤ على الأمور والله أعلم وفيها أقبل ملك الروم كيكاريس سنجر يريد أخذ مملكة حلب وساعده على ذلك الافضل بن صلاح الدين صاحب سميساط فصده عن ذلك الملك الأشرف موسى بن العادل وقهر ملك الروم وكسر جيشه ورده خائبا
وفيها تملك الأشرف مدينة سنجار مضافا إلى ما بيده من الممالك وفيها توفي السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب فأخذت الفرنج دمياط ثم ركبوا وقصدوا بلاد مصر من ثغر دمياط فحصاصروه مدة أربعة شهور والملك الكامل يقاتلهم ويمانعهم فتملكوا برج السلسلة وهو كالقفل على ديار مصر وصفته في وسط جزيرة في النيل عند انتهائه إلى البحر ومنه إلى دمياط وهو على شاطيء البحر وحافة سلسلة منه إلى الجانب الآخر وعليه الجسر وسلسلة أخرى لتمنع دخول المراكب من البحر إلى النيل فلا يمكن الدخول فلما ملكت الفرنج هذا البرج شق ذلك على المسلمين وحين وصل الخبر إلى الملك العادل وهو بمرج الصفر تأوه لذلك تأوها شديدا ودق بيده على صدره أسفا وحزنا على السملمين وبلادها ومرض من ساعته مرض الموت لأمر يريده الله عز وجل فلما كان يوم الجمعة سابع جمادي الآخرة توفي بقرية غالقين فجاءه ولده المعظم مسرعا فجمع حواصله وارسله في محفة ومعه خادم بصفة أن السلطان مريض وكلما جاء أحد من الأمراء ليسلم عليه بلغهم الطواشي عنه أي أنه ضعيف عن الرد عليهم فلما انتهى به إلى القلعة دفن بها مدة ثم حول إلى تربته بالعادلية الكبيرة وقد كان الملك سيف الدين أبو بكر بن أيوب بن شادي من خيار الملوك وأجودهم سيرة دينا عاقلا صبورا وقورا أبطل المحرمات والخمور والمعارف من مملكته كلها وقد كانت ممتدة من أقصى بلاد مصر واليمن والشام والجزيرة إلى همدان كلها أخذها بعد اخيه صلاح الدين سوى حلب فإنه أقرها بيد أبن أخيه الظاهر غازي لأنه زوج ابنته صفية الست خاتون وكان العادل حليما صفوحا صبورا على الأذى كثير الجهاد بنفسه ومع أخيه حضر معه مواقفه كلها أو أكثرها في مقاتلة الفرنج وكانت له في ذلك اليد البيضاء وكان ماسك اليد وقد أنفق في عام الغلاء بمصر أموالا كثيرة على الفقراء وتصدق على أهل الحاجة من أبناء الناس وغيرهم شيئا كثيرا جدا ثم إنه كفن في العام الثاني من بعد عام الغلاء في الفناء مائة ألف إنسان من الغرباء والفقراء وكان كثير الصدقة في ايام مرضه حتى كان يخلع جميع ما عليه ويتصدق به وبمركوبه وكان كثير الاكل ممتعا بصحة وعافية مع كثرة صيامه كان يأكل في اليوم الواحد أكلات جيدة ثم بعد هذا يأكل عند النوم رطلا بالدمشقي من الحلوى السكرية اليابسة وكان يعتريه مرض في أنفه في زمن الورد وكان لا يقدر على الاقامة بدمشق حتى يفرغ زمن الورد فكان يضرب له الوطاق بمرج الصفر ثم يدخل البلد بعد ذلك توفي عن خمس وسبعين سنة وكان له من الأولاد جماعة محمد الكامل صاحب مصر وعيسى المعظم صاحب دمشق وموسى الأشرف صاحب الجزيرة وخلاط وحران وغير ذلك والاوحد أيوب مات قبله والفائز إبراهيم والمظفر غازي صاحب الرها والعزيز عثمان والأمجد حسن وهما شقيقا المعظم والمقيت محمود والحافظ أرسلان صاحب جعبر والصالح إسماعيل والقاهر إسحاق ومجير الدين يعقوب وقطب الدين أحمد وخليل وكان أصغرهم وتقي الدين عباس وكان آخرهم وفاة بقي إلى سنة ستين وستمائة وكان له بنات أشهرهن الست صفية خاتون زوجة الظاهر غازي صاحب حلب وأم الملك العزيز والد الناصر يوسف الذي ملك دمشق وإليه تنسب الناصريتان إحداهما بدمشق والأخرى بالسفح وهو الذي قتله هلاكو كما سيأتي