ثم دخلت سنة أربعين وستمائة
 
فيها توفي الخليفة المستنصر بالله وخلافة ولده المستعصم بالله فكانت وفاة الخليفة أمير المؤمنين بكرة يوم الجمعة عاشر جمادي الاخرة وله من العمر إحدى وخمسون سنة وأربعة أشهر وسبعة أيام وكتم موته حتى كان الدعاء له على المنابر ذلك اليوم وكانت مدة ولايته ست عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما ودفن بدار الخلافة ثم نقل إلى الترب من الرصافة وكان جميل الصورة حسن السريرة جيدالسيرة كثير الصدقات والبر والصلات محسنا إلى الرعية بكل ما يقدر عليه كان جده الناصر قد جمع ما يتحصل من الذهب في بركة في دار الخلافة فكان يقف على حافتها ويقول أترى أعيش حتى أملأها وكان المستنصر يقف على حافتها ويقول أترى أعيش حتى أنفقها كلها فكان يبني الربط والخانات والقناطر في الطرقات من سائر الجهات وقد عمل بكل محلة من محال بغداد دار ضيافة للفقراء لا سيما في شهر رمضان وكان يتقصد الجواري اللائي قد بلغن الاربعين فيشترين له فيعتقهن ويجهزهن ويزوجهن وفي كل وقت يبرز صلاته ألوف متعددة من الذهب تفرق في المحال ببغداد على ذوي الحاجات والارامل والايتام وغيرهم تقبل الله تعالى منه وجزاه خيرا وقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية للمذاهب الاربعة وجعل فيها دار حديث وحماما ودار طب وجعل لمستحقيها من الجوامك والاطعمة والحلاوات والفاكهة ما يحتاجون إليه في أوقاته ووقف عليها أوقافا عظيمة حتى قيل إن ثمن التبن من غلات ريعها يكفي المدرسة واهلها ووقف فيها كتبا نفيسة ليس في الدنيا لها نظير فكانت هذه المدرسة جمالا لبغداد وسائر البلاد وقد احترق في أول هذه السنة المشهدا لذي بسامرا المنسوب إلى على الهادي والحسن العسكري وقد كان بناه ارسلان البساسيري في أيام تغلبه على تلك النواحي في حدود سنة خمسين وأربعمائة فأمر الخليفة المستنصر باعادته إلى ما كان عليه وقد تكلمت الروافض في الاعتذار عن حريق هذا المشهد بكلام طويل بارد لا حاصل له وصنفوا فيه أخبار وأنشدوا أشعارا كثيرة لا معنى لها وهو المشهد الذي يزعمون أنه يخرج منه المنتظر الذي لاحقيقة له فلا عين ولا أثر ولو لم يبن لكان أجدر وهو الحسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن علي ابن محمد بن الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بكر بلاء بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وقبح من يغلو فيهم ويبغض بسببهم من هو أفضل منهم وكان المستنصر رحمه الله كريما حليما رئيسا متوددا إلى الناس وكان جميل الصورة حسن الاخلاق
بهى المنظر عليه نور بيت النبوبة رضي الله عنه وأرضاه وحكى أنه اجتاز راكبا في بعض ازفة بغداد قبل غروب الشمس من رمضان فرأى شيخا كبيرا ومعه إناء فيه طعام قد حمله من محلة إلى محلة أخر فقال أيها الشيخ لم لا أخذت الطعام من محلتك أو أنت محتاج تأخذ من المحلتين فقال لا والله يا سيدي ولم يعرف أنه الخليفة ولكني شيخ كبير وقد نزل بي الوقت وأنا أستحي من أهل محلتي أن أزاحمهم وقت الطعام فيشمت بي من كان يبغضني فأنا أذهب إلى غير محلتي فآخذ الطعام وأتحين وقت كون الناس في صلاة المغرب فأدخل بالطعام إلى منزلي بحيث لا يراني أحد فبكى الخليفة رحمه الله وامر له بألف دينار فلما دفعت إليه فرح الشيخ فرحا شديدا حتى قيل إنه انشق قلبه من شدة الفرح ولم يعش بعد ذلك إلا عشرين يوما ثم مات فخلف الألف دينار إلى الخليفة لأنه لم يترك وارثا وقد أنفق منها دينارا واحدا فتعجب الخليفة من ذلك وقال شيء قد خرجنا عنه لا يعود إلينا تصدقوا بها على فقراء محلته فرحمه الله تعالى وقد خلف من الاولاد ثلاثة اثنان شقيقان وهما أمير المؤمنين المستعصم بالله الذي ولى الخلافة يعده وابو أحمد عبد الله والأمير أبو القاسم عبدالعزيز وأختهما من أم اخرى كريمة صان الله حجابها وقد رثاه الناس بأشعار كثيرة أورد منها بن الساعي قطعة صالحة ولم يستوزر أحدا بل أقرأبا الحسن محمد بن محمد القمي على نيابة الوزارة ثم كان بعده نصر الدين أبو الأزهر أحمد بن محمد الناقد الذي كان استاذ دار الخلافة والله تعالى أعلم بالصواب

الموضوع التالي


خلافة المستعصم بالله

الموضوع السابق


قاضي القضاة ببغداد