خلافة المستعصم بالله
 
أمير المؤمنين وهو آخر خلفاء بني العباس ببغداد وهو الخليفة الشهيد الذي قتله التتار بأمر هلاكو ابن تولى ملك التتار بن جنكيزخان لعنهم الله في سنة ست وخمسين وستمائة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وهو أمير المؤمنين المستعصم بالله أبو احمد عبد الله بن أمير المؤمنين المستنصر بالله ابي جعفر المنصور بن أمير المؤمنين الظاهر بالله أبي نصر محمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن أمير المؤمنين المستضيء بالله أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن أمير المؤمنين المقتفى لأمر الله أبي عبد الله محمد بن أمير المؤمنين المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن الخليفة المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله وبقية نسبه إلى العباس في ترجمة جده الناصر وهؤلاء الذين ذكرناهم كلهم ولى الخلافة يتلو بعضهم بعضا ولم يتفق هذا لأحد قبل المستعصم ان في نسبه ثمانية نسقا ولوا الخلافة لم يتخللهم أحد وهو التاسع رحمه الله تعالى بمنه
لما توفي أبوه بكرة الجمعة عاشر جمادي الاخرة من سنة أربعين وستمائة استدعى هو من التاج يومئذ بعدالصلاة فبويع بالخلافة ولقب بالمستعصم وله من الأمر يومئذ ثلاثون سنة وشهور وقد أتقن في شبيبته تلاوة القرآن حظفا وتجويدا وأتقن العربية والخط الحسن وغير ذلك من الفضائل على الشيخ شمس الدين أبي المظفر علي بن محمد بن النيار أحد ائمة الشافعية في زمانه وقد أكرمه وأحسن إليه في خلافته وكان المستعصم على ما ذكر كثير التلاوة حسن الاداء طيب الصوت يظهر عليه خشوع وإنابة وقد نظر في شيء من التفسير وحل المشكلات وكان مشهورا بالخير مشكورا مقتديا بأبيه المستنصر جهده وطاقته وقد مشت الامور في ايامه على السداد والإستقامة بحمد الله وكان القائم بهذه البيعة المستعصمية شرف الدين أبو الفضائل إقبال المستنصري فبايعه اولا بنو عمه وأهله من بني العباس ثم أعيان الدولة من الأمراء والوزراء والقضاة والعلماء والفقهاء ومن بعدهم من أولى الحل والعقد والعامة وغيرهم وكان يوما مشهودا ومجمعا محمودا ورأيا سعيدا وأمرا حميدا وجاءت البيعة من سائر الجهات والأقطار والبلدان والأمصار وخطب له في سائر البلدان والاقاليم والرساتيق وعلى سائر المنابر شرقا وغربا بعدا وقربا كما كان أبوه وأحداده رحمهم الله جميعا
وفيها وقع من الحوادث أنه كان بالعراق وباء شديد في آخر أيام المستنصر وغلا السكر والأدوية فتصدق الخليفة المستنصر بالله رحمه الله بسكر كثير على المرضى تقبل الله منه وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان أذن الخليفة المستعصم بالله لأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين يوسف ابن الشيخ ابي الفرج بن الجوزي وكان شابا ظريفا فاضلا في الوعظ بباب البدرية فتكلم وأجاد وافاد وامتدح الخليفة المستعصم بقصيدة طويلة فصيحة سردها ابن الساعي بكمالها ومن يشابه أباه فما ظلم والشبل في المخبر مثل الاسد وفيها كانت وقعة عظيمة بين الحلبيين وبين الخوارزمية ومع الخوارزمية شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين فكسرهم الحلبيون كسرة عظيمة منكرة وغنموا من أموالهم شيئا كثيرا جدا ونهبت نصيبين مرة أخرى وهذه سابع عشر مرة نهبت في هذه السنين فانا لله وإنا إليه راجعون وعاد الغازي إلى ميا فارقين وتفرقت الخوارزمية يفسدون في الارض صحبة مقدمهم بركات خان لا بارك الله فيه وقدم على الشهاب غازي منشور بمدينة خلاط فتسلمها وما فيها من الحواصل وفيها عزم الصالح أيوب صاحب مصر على دخول الشام فقيل له إن العساكر مختلفة فجهز عسكرا إليها وأقام هو بمصر يدير مملكتها
وممن توفي فيها من الاعيان :

المستنصر بالله
أمير المؤمنين كما تقدم والحرمة المصونة الجليلة