ثم دخلت سنة خمس وخمسين وستمائة
 

فيها اصبح الملك المعظم صاحب مصر عز الدين ايبك بداره ميتا وقد ولى الملك بعد استاذه الصالح نجم الدين أيوب بشهور كان فيها ملك توران شاه المعظم بن الصالح ثم خلفته شجرة الدر أم خليل مدة ثلاثة أشهر ثم أقيم هو في الملك ومعه الملك الاشرف موسى بن الناصر يوسف بن أقسيس ابن الكامل مدة ثم استقل بالملك بلا منازعة وكسر الناصر لما أراد أخذ الديار المصرية وقتل الفارس إقطاي في سنة ثنتين وخمسين وخلع بعده الاشرف واستقل بالملك وحده ثم تزوج بشجرة
الدر أم خليل وكان كريما شجاعا حييا دينا ثم كان موته في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الاول وهو واقف المدرسة المعزية بمصر ومجازها من أحسن الاشياء وهي من داخل ليست بتلك الفائقة وقد قال بعضهم هذه مجاز لا حقيقة له ولما قتل رحمه الله فإنهم مماليكه زوجته أم خليل شجرة الدر به وقد كان عزم على تزوج ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ فأمرت جواريها أن يمسكنه لها فما زالت تضربه بقباقبها والجواري يعركن في معاربه حتى مات وهو كذلك ولما سمعوا مماليكه أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز فقتلوها والقوها على مزبلة غير مستورة العورة بعد الحجاب المنيع والمقام الرفيع وقد علمت على المناشير والتواقيع وخطب الخطباء باسمها وضربت السكة برسمها فذهبت فلا تعرف بعد ذلك بعينها ولا رسمها قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير وأقامت الاتراك بعد أستاذهم عز الدين أيبك التركماني بإشارة أكبر مماليكه الامير سيف الدين قطز ولده نور الدين عليا ولقبوه الملك المنصور وخطب له على المنابر وضربت السكة باسمه وجرت الامور على ما يختاره برأيه ورسمه
وفيها كانت فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة فنهب الكرخ ودور الرافضة حتى دور قرابات الوزير ابن العلقمي وكان ذلك من أقوى الاسباب في ممالأته للتتار وفيها دخلت الفقراء الحيدرية الشام ومن شعارهم لبس الراحي والطراطير ويقصون لحاهم ويتركون شواربهم وهو خلاف السنة تركوها لمتابعة شيخهم حيدر حين أسره الملاحدة فقصوا لحيته وتكروا شواربه فاقتدوا به في ذلك وهو معذور مأجور وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وليس لهم في شيخهم قدوة وقد بنيت لهم زاوية بظاهر دمشق قريبا من العونية وفي يوم الاربعاء ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة المباركة عمل عزاء واقف البادرائية بها الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد البادرائي البغدادي مدرس النظامية ورسول الخلافة إلى ملوك الافاق في الامور المهمة وإصلاح الاحوال المدلهمة وقد كان فاضلا بارعا رئيسا وقورا متواضعا وقد ابتنى بدمشق مدرسة حسنة مكان دار الامير أسامة وشرط على المقيم بها العزوبة وأن لا يكون الفقيه في غيرها من المدارس وإنما أراد بذلك توفر خاطرا لفقيه وجمعه على طلب العلم ولكن حصل بذلك خلل كثير وشر لبعضهم كبير وقد كان شيخنا الامام العلامة شيخ الشافية بالشام وغيرها برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ تاج الدين الفزاري مدرس هذه المدرسة وابن مدرسها يذكر أنه لما حضر الواقف في أول يوم درس بها وحضر عنده السلطان الناصري قرأ كتاب الوقف وفيه ولا تدخلها امرأة فقال السلطان ولا صبي فقال الواقف يا مولانا السلطان ربنا ما يضرب بعصاتين فإذا ذكر هذه الحكاية تبسم
عندها رحمه الله تعالى وكان هو أول من درس بها ثم ولده كمال الدين من بعده وجعل نظرها إلى وجيه الدين بن سويد ثم صار في ذريته إلى الان وقد نظر فيه بعض الاوقات القاضي شمس الدين ابن الصائغ ثم انتزع منه حيث اثبت لهم النظر وقد أوقف البادرائي على هذه المدرسة أوقافا حسنة دارة وجعل فيها خزانة كتب حسنة نافعة وقد عاد إلى بغداد في هذه السنة فولى بها قضاء القضاة كرها منه فأقام فيه سبعة عشر يوما ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في مستهل ذي الحجة من هذه السنة ودفن بالشونيزيه رحمة الله تعالى وفي ذي الحجة من هذه السنة بعد موت البادرائي بأيام قلائل نزلت التتار على بغداد مقدمة لملكهم هولاكو بن تولى بن جنكيزخان عليهم لعائل الرحمن وكان افتتاحهم لها وجنايتهم عليها في أول السنة الاتية على ما سيأتي بيانه وتفصيله وبالله المستعان وممن توفي في هذه السنة من الاعيان البادرائي واقف البادرائية التي بدمشق كما تقدم بيانه رحمه الله تعالى