خليفة الوقت المستعصم بالله
 

أمير المؤمنين آخر خلفاء بني العباس بالعراق رحمه الله وهو أبو أحمد عبدالله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر بامر الله أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد بن المقتدي بالله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن الامير إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الامير الموفق أبي احمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن الرشيد أبي محمد هارون بن المهدي أبي عبد الله محمد ابن المنصور ابي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي العباسي مولده سنة تسع وستمائة وبويع له بالخلافة في العشرين من جمادي الاولى سنة اربعين وكان مقتله في يوم الاربعاء الرابع عشر من صفر سنة ست وخمسين وستمائة فيكون عمره يوم قتل سبعا وأربعين سنة رحمه الله تعالى وقد كان حسن الصورة جيدالسريرة صحيح العقيدة مقتديا بأبيه المستنصر في المعدلة وكثرة الصدقات وإكرام العلماء والعباد وقد استجاز له الحافظ ابن النجار من جماعة من مشايخ خراسان منهم المؤيد الطوسي وأبو روح عبدالعزيز بن محمد الهروي وأبو بكر القاسم بن عبد الله بن الصفار وغيرهم وحدث عنه جماعة منهم مؤدبه شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن علي بن محمد بن التيار وأجاز هو للامام محيي الدين أبن الجوزي وللشيخ نجم الدين البادرائي وحدثا عنه بهذه الاجازة وقد كان رحمه الله سنيا على طريقة السلف واعتقاد
الجماعة كما كان ابوه وجده ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ ومحبة للمال وجمعه ومن جملة ذلك أنه استحل الوديعة التي استودعه إياها الناصر داود بن المعظم وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار فاستقبح هذا من مثل الخليفة وهو مستقبح ممن هو دونه بكثير بل من اهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك كما قال الله تعالى ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما قتلته التتار مظلوما مضطهدا في يوم الاربعاء رابع عشر صفر من هذه السنة وله من العمر ستة وأربعون سنة وأربعة أشهر وكانت مدةخلافته خمسة عشر سنة وثمانية أشهر وأياما فرحمه الله وأكرم مثواه وبل بالرأفة ثراه وقد قتل بعده ولداه وأسر الثالث مع بنات ثلاث من صلبه وشغر منصب الخلافة بعده ولم يبق في بني العباس من سد مسده فكان آخر الخلفاء من بني العباس الحاكمين بالعدل بين الناس ومن يرتجي منهم النوال ويخشى البأس وختموا بعبد الله المستعصم كما فتحوا بعبد الله السفاح بويع له بالخلافة وظهر ملكه وأمره في سنة ثنتين وثلاثين ومائة بعد انقضاء دولة بني امية كما تقدم بيانه وآخرهم عبد الله المستعصم وقد زال ملكه وانقضت خلافته في هذا العام فجملة أياهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة وزال ملكهم عن العراق والحكم بالكلية مدة سنة وشهور في أيام البساسيري بعد الخمسين وأربعمائة ثم عادت كما كانت وقد بسطنا ذلك في موضعه في أيام القائم بأمر الله ولله الحمد
ولم تكن أيدي بني العباس حاكمة على جميع البلاد كما كانت بنو أمية قاهرة لجميع البلاد والاقطار والامصار فإنه خرج عن بني العباس بلاد المغرب ملكها في أوائل الأمر بعض بني أمية ممن بقي منهم من ذرية عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ثم تغلب عليه الملوك بعد دهور متطاولة كما ذكرنا وقارن بني العباس دولة المدعين أنهم من الفاطميين ببلاد مصر وبعض بلاد المغرب وما هنالك وبلاد الشام في بعض الاحيان والحرمين في أزمان طويلة وكذلك أخذت من أيدهم بلاد خراسان وما وراء النهر وتداولتها الملوك دولا بعد دول حتى لم يبق مع الخليفة منهم إلى بغداد وبعض بلاد العراق وذلك لضعف خلافتهم واشتغالهم بالشهوات وجمع الاموال في أكثر الاوقات كما ذكر ذلك مبسوطا في الحوادث والوفيات
واستمرت دولة الفاطميين قريبا من ثلاثمائة سنة حتى كان آخرهم العاضد الذي مات بعد الستين وخمسمائة في الدولة الصلاحية الناصرية القدسية وكانت عدة ملوك الفاطميين أربعة عشر ملكا متخلفا ومدة ملكهم تحريرا من سنة سبع وتسعين ومائتين إلى ان توفي العاضد سنة بضع وستين وخمسمائة والعجب أن خلافة النبوة التالية لزمان رسول صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثين سنة كما نطق بها
الحديث الصحيح فكان فيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم ابنه الحسن بن علي ستة شهور حتى كملت الثلاثون كما قررنا ذلك في دلائل النبوة ثم كانت ملكا فكان أول ملوك الاسلام من بني أبي سفيان معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية ثم ابنه يزيد ثم ابن ابنه معاوية ابن يزيد بن معاوية والقرض هذا البطن المفتتح بمعاوية المختتم بمعاوية ثم ملك مروان بن الحكم ابن ابي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى ثم ابنه عبد الملك ثم الوليد بن عبد الملك ثم أخوه سليمان ثم ابن عمه عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد ثم يزيد بن الوليد ثم أخوه إبراهيم الناقص وهو ابن الوليد أيضا ثم مروان بن محمد بن مروان الملقب بالحمار وكان آخرهم فكان أولهم اسمه مروان وآخرهم اسمه مروان ثم انقرضوا من أولهم إلى خاتمهم وكان أول خلفاء بني العباس عبد الله السفاح وآخرهم عبد الله المستعصم وكذلك أول خلفاء الفاطميين فالأول اسمه عبد الله العاضد وآخرهم عبد الله العاضد وهذا اتفاق غريب جدا قل من يتنبه له والله سبحانه أعلم وهذه ارجوزة لبعض الفضلاء ذكر فيها جميع الخلفاء
الحمد لله العظيم عرشة * القاهر الفرد القوي بطشه
مقلب الايام والدهور * وجامع الانام للنشور
ثم الصلاة بدوام الابد * على النبي المصطفى محمد
وآله وصحبه الكرام * السادة الائمة الاعلام
وبعد فإن هذه ارجوزة * نظمتها لطيفة وجيزة
نظمت فيها الراشدين الخلفا * من قام بعد النبي المصطفى
ومن تلاهم وهلم جرا * جعلهتا تبصرة وذكرى
ليعلم العاقل ذو التصوير * كيف جرت حوادث الامور
وكل ذي مقدرة وملك * معرضون للفنا والهلك
وفي اختلاف الليل والنهار * تبصرة لكل ذي اعتبار
والملك الجبار في بلاده * يورثه من شاء من عباده
وكل مخلوق فللفناء * وكل ملك فالى انتهاء
ولا يدوم غير ملك الباري * سبحانه من ملك قهار
منفرد بالعز والبقاء * وما سواه فألى انقضاء
أول من بويع بالخلافة * بعد النبي ابن أبي قحافة
أعني الامام الهادي الصديقا * ثم ارتضى من بعده الفاروقا
ففتح البلاد ولامصارا * واستأصلت سيوفه الكفارا
وقام بالعدل قياما يرضي * بذاك جبار السما والارض
ورضى الناس بذي النورين * ثم على والد السبطين
ثم أتت كتائب مع الحسن * كادوا بأن يجددوا بها الفتن
فأصلح الله على يديه * كما عزا نبينا إليه
وجمع الناس على معاوية * ونقل القصة كل راوية
فمهد الملك كما يريد * وقام فيه بعده يزيد
ثم ابنه وكان برا راشدا * أعني أبا ليلى وكان زاهدا
فترك الامرة لا عن غلبة * ولم يكن إليها منه طلبة
وابن الزبير بالحجاز يد أب * في طلب الملك وفيه ينصب
وبالشام بايعوا مروانا * بحكم من يقول كن فكانا
ولم يدم في الملك غير عام * وعافصته اسهم الحمام
واستوثق الملك لعبد الملك * ونار نجم سعده في الفلك
وكل من نازعه في الملك * خر صريعا بسيوف الهلك
وقتل المصعب بالعراق * وسير الحجاج ذا الشقاق
إلى الحجاز بسيوف النقم * وابن الزبير لائذ بالحرم
فجار بعد قتله بصلبه * ولم يخف في أمره من ربه
وعندما صفت له الامور * تقلبت بجسمه الدهور
ثم أتى من بعده الوليد * ثم سليمان الفتى الرشيد
ثم استفاض في الورى عدل عمر * تابع امر ربه كما أمر
وكان يدعى بأشج القوم * وذي الصلاة والتقى والصوم
فجاء بالعدل والاحسان * وكف أهل الظلم والطفيان
مقتديا بسنة الرسول * والراشدين من ذوي العقول
فجرع الاسلام كأس فقده * ولم يروا مثلا له من بعده
ثم يزيد بعده هشام * ثم الوليد فت منه الهام
ثم يزيد وهو يدعى الناقصا * فجاءه حمامه معافصا
ولم تطل مدة إبراهيما وكان كل أمره سقيما
وأسند الملك إلى مروانا * فكان من أموره ما كانا
وانقرض الملك على يديه * وحادث الدهر سطا عليه
وقتله قد كان بالصعيد * ولم تفده كثرة العديد
وكان فيه حتف آل الحكم * واستنزعت عنهم ضروب النعم
ثم أتى ملك بني العباس * ولا زال فينا ثابت الاساس
وجاءت البيعة من أرض العجم * وقلدت بيعتهم كل الامم
وكل من نازعهم من أمم * خر صريعا لليدين والفم
وقد ذكرت من تولى منهم * حين تولى القائم المستعصم
أولهم ينعت بالسفاح * وبعده المنصور ذو الجناح
ثم أتى من بعده المهدي * يتلوه موسى الهادي الصفي
وجاء هارون الرشيد بعده * ثم الامين حين ذاق فقده
وقام بعد قتله المأمون * وبعده المعتصم المكين
واستخلف الواثق بعد المعتصم * ثم اخوه جعفر موفى الذمم
وأخلص النية في المتوكل * لله ذي العرش القديم الاول
فأدحض البدعة في زمانه * وقامت السنة في أوانه
ولم يبق فيها بدعة مضلة * وألبس المعتزلي ثوب ذلة
فرحمة الله عليه أبدا * ما غار نجم في السماء أو بدا
وبعده استولى وقام المعتمد * ومهد الملك وساس المقتصد
وعندما استشهد قام المنتصر * والمستعين بعده كما ذكر
وجاء بعد موته المعتز * والمهتدي الملتزم الاعز
والمكتفي في صحف العلا أسطر * وبعده ساس الامور المقتدر
واستوثق الملك بعز القاهر * وبعده الراضي أخو المفاخر
والمتقي من بعد ذا المستكفي * ثم المطيع ما به من خلف
والطائع الطائع ثم القادر * والقائم الزاهد وهو الشاكر
والمقتدي من بعده المستظهر * ثم أتى المسترشد الموقر
وبعده الراشد ثم المقتفى * وحين مات استنجدوا بيوسف
المستفيء العادل في أفعاله * الصادق الصدوق في أقواله
والناصر الشهم الشديد الباس * ودام طول مكثه في الناس
ثم تلاه الظاهر الكريم * وعدله كل به عليم
ولم تطل أيامه في المملكة * غير شهور واعترته الهلكة
وعهده كان إلى المستنصر * العادل البر الكريم العنصر
دام يسوس الناس سبع عشرة * وأشهرا بعزمات بره
ثم توفي عام أربعينا * وفي جمادي صادف المنونا
وبايع الخلائق المستعصما * صلى عليه ربنا وسلما
فأرسل الرسل إلى الافاق * يقضون بالبيعة والوفاق
وشرفوا بذكره المنابرا * ونشروا في جوده المفاخرا
وسار في الافاق حسن سيرته * وعدله الزائد في رعيته
قال الشيخ عمادا لدين ابن كثير رحمه الله تعالى ثم قلت أنا بعد ذلك أبياتا
ثم ابتلاه الله بالتتار * أتباع جنكيزخان الجبار
صحبته ابن ابنه هولاكو * فلم يكن من أمره فكاك
فمزقوا جنوده وشمله * وقتلوه نفسه وأهله
ودمروا بغداد والبلادا * وقتلوا الاحفاد والاجدادا
وانتهبوا المال مع الحريم * ولم يخافوا سطوة العظيم
وغرهم إنظاره وحلمه * وما اقتضاه عدله وحكمه
وشغرت من بعده الخلافة * ولم يؤرخ مثلها من آفة
ثم أقام الملك اعني الظاهرا * خليفة أعني به المستنصرا
ثم ولى من بعد ذاك الحاكم * مسيم بيبرس الامام العالم
ثم ابنه الخليفة المستكفي * وبعض هذا للبيب يكفي
ثم ولى من بعده جماعة * ما عندهم علم ولا بضاعة
ثم تولى وقتنا المعتضد * ولا يكاد الدهر مثله يجد
في حسن خلق واعتقاد وحلى * وكيف لا وهو من السيم الاولى
سادوا البلاد والعباد فضلا * وملأوا الاقطار حكما وعدلا
اولاد عم المصطفى محمد * وأفضل الخلق بلا تردد
صلى عليه الله ذو الجلال * ما دامت الايام والليالي

الموضوع التالي


فصل