مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام وموقعة اليرموك
 

بسم الله الرحمن الرحيم



- كان اهتمام أبي بكر الصديق بغزو الشام أشد من اهتمامه بالعراق . لذلك عول على استدعاء خالد بن الوليد وأمره بالمسير وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني ووعده بأنه إذا انتصر في الشام أعاده إلى العراق . ثم بدأ خالد يختار جيشه فاستأثر خالد بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى وترك للمثنى عددهم من أهل القناعة ممن ليس له صحبة . ثم قسم الجند نصفين فقال المثنى : ( والله لا أقيم على إنفاذ أمر أبي بكر وبالله ما أرجو النصر إلا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) خرج معه 9000 وصاحبه المثنى إلى حدود الصحراء ليودعه
سار خالد بجيشه فلما وصل إلى قراقر وهو ماء لكلب أغار على أهلها وأراد أن يسير عنهم مفوزا ( 1 ) إلى سوى وهو ماء لبهراء . ثم أتى أراك فصالحوه . ثم أتى تدمر ( 2 ) ففتحها صلحا ذلك أنه لما مر بها في طريقه تحصن أهلها منه فأحاط بهم من كل وجه فلم يقدر عليهم . ولما أعجزه ذلك وأعجله الرحيل قال : ( يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب لا ستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعن إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلن مدينتكم حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم )
فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدوه له ورضي به . ثم أتى خالد القريتين ( 3 ) فقاتلهم فظفر بهم وغنم وأتى حوارين . فقاتل أهلها وهزمهم وقتل وسبى وأتى قصم - وهي موضع بالبادية قرب الشام من نواحي العراق - فصالحه مشجعة من قضاعة وسار فوصل ثنية العقاب - وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص - ناشرا رايته العقاب وهي راية سوداء . ثم سار فأتى مرج راهط ( 4 ) فأغار على غسان في يوم فصحهم ( 5 ) فقاتل وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد ثن سار حتى وصل بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد وأهل العراق وبعث بالأخماس إلى أبي بكر ثم سار فطلع على المسلمين في ربيع الآخر باليرموك فوجدهم يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش وشرحبيل بن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش . فقال خالد :
( إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي فأخلصوا لله جهادكم وتوجهوا لله تعالى بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده وإن من وراءكم لو يعلم عملكم حال بينكم وبين هذا . فاعلموا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم )
قالوا فما الرأي ؟ قال إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين مما غشيهم . وأنفع للمشركين من أمدادهم . ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم . والله فهلموا فلنتعاور ( 6 ) الإمارة . فليكن علينا بعضنا اليوم وبعضنا غدا والآخر بعد غد حتى يتامر كلكم ودعوني اليوم عليكم . قالوا : نعم . فأمروه فكان الفتح على يد خالد . وجاء البريد ( 7 ) يومئذ بموت أبي بكر وخلافة عمر وتأمير أبي عبيدة على الشام كله وعزل خالد . فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس بالأمر لئلا يضعفوا إلى أن هزم الله العدو وقتل منهم نحو 100 . 000 ثم دخل على أبي عبيدة وسلم عليه بالإمارة
_________
( 1 ) فاز : قطع امفازة والمفازة الموضع المهلك مأخوذ من فوز بالتشديد إذا مات لأنها مظنة الموت
( 2 ) تدمر : مدينة قديمة مشهورة في برية الشام بينها وبين حلب خمسة أيام
( 3 ) القريتين : قرية كبيرة من أعمال حمص في طريق البرية . قال أبو حذيفة في فتوح الشام " وسار خالد بن الوليد رضي الله عنه من تدمر إلى القريتين وهي التي تدعى حوارين وبينها وبين تدمر مرحلتان " غير أن حوارين قرية أخرى غير القريتين
( 4 ) مرج راهط بنواحي دمشق وهو أشهر المروج في الشعر فإذا ذكر مرج في الشعر فإياه يعني
( 5 ) فصح النصارى مثل الفطر وزنا ومعنى وهو الذي ياكلون فيه اللحم بعد الصيام وهو عيد لهم مثل عيد المسلمين
( 6 ) أي نتداول
( 7 ) البريد : الرسول وكان اسمه محمية بن زنيم



 

أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ محمد رضا ـ