ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وستمائة
 
كان أولها يوم الاحد والخليفة والسلطان هما المذكوران في التي قبلها وقد اتفق في هذه السنة أمور عجيبة وذلك أنه وقع الخلف بين الممالك كلها اختلفت التتار فيما بينهم واقتتلوا فقتل منهم خلق كثير واختلفت الفرنج في السواحل وصال بعضهم على بعض وقتل بعضهم بعضا وكذلك الفرنج الذين في داخل البحور وجزائرها فاختلفوا واقتتلوا وقتلت قبائل الاعراب بعضها في بعض قتالا شديدا وكذلك وقع الخلف بين العشير من الحوارنة وقامت الحرب بينهم على ساق وكذلك وقع الخلف بين الأمراء الظاهرية بسبب ان السلطان الملك السعيد بن الظاهر لما بعث الجيش إلى سيس أقام بعده بدمشق وأخذ في اللهو واللعب والانبساط مع الخاصكية وتمكنوا من الامور وبعد عنه الامراء الكبار فغضبت طائفة منهم ونابذوه وفارقوه واقاموا بطريق العساكر الذين توجهوا إلى سيس وغيرهم فرجعت العساكر إليهم فلما اجتمعوا شعثوا قلوبهم على الملك السعيد ووحشوا خوطر الجيش عليه وقالوا الملك لا ينبغي له أن يلعب ويهلو وإنما همة الملوك في العدل ومصالح المسلمين والذب عن حزتهم كما كان أبوه وصدقوا فيما قالوا فإن لعب الملوك والأمراء وغيرهم دليل على زوال النعم وخراب الملك وفساد الرعية ثم راسله الجيش في إبعاد الخاصكية عنه ودنو ذوي الاحلام والنهي إليه كما كان أبوه فلم يفعل وذلك أنه كان لا يمكنه ذلك لقوة شوكة الخاصكية
وكثرتهم فركب الجيش وساروا قاصدين مرج الصفر ولم يمكنهم العبور على دمشق بل أخذوا من شرقها فلما اجتمعوا كلهم بمرج الصفر أرسل السلطان أمه إليهم فتلقوها وقبلوا الأرض بين يديها فأخذت تتألفهم وتصلح الأمور فاجابوها واشترطوا شروطا على ولدها السلطان فلما رجعت إليه لم يلتزم بها ولم تمكنه الخاصكية من ذلك فسارت العساكر إلى الديار المصرية فساق السلطان خلفهم ليتلاقى الأمور قبل تفاقمها وانفراطها فلم يلحقهم وسبقوه إلى القاهرة وقد كان أرسل أولاده واهله وثقله إلى الكرك فحصنهم فيها وركب في طائفة من الجيش الذين بقوا معه والخاصكية إلى الديار المصرية فلما اقترب منها صدوه عنها وقاتلوه فقتل من الفريقين نفر يسير فأخذه بعض الأمراء فشق به الصفوف وأدخله قلعة الجبل ليسكن الأمر فما زادهم ذلك إلا نفورا فحاصروا حينئذ القلعة وقطعوا عنها الماء وجرت خطوب طويلة وأحوال صعبة ثم اتفق الحال بعد ذلك مع الأمير سيف الدين قلاوون الالفي الصالحي وهو المشار إليه حينئذ أن يترك الملك السعيد الملك وتعوض بالكرك والشوبك ويكون في صحبته أخوه نجم الدين خضر وتكون المملكة إلى أخيه الصغير بدر الدين سلامش ويكون الأمير سيف الدين قلاوون أتابكه