ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وستمائة
 
فيها كان فتح مدينة طرابلس وذلك أن السلطان قلاوون قدم بالجيوش المنصورة المصرية صحبته إلى دمشق فدخلها في الثالث عشر من صفر ثم سار بهم وبجيش دمشق وصحبته خلق كثير من المتطوعة منهم القاضي نجم الدين الحنبلي قاضي الحنابلة وخلق من المقادسة وغيرهم فنازل طرابلس يوم الجمعة مستهل ربيع الاول وحاصرها بالمجانيق حصارا شديدا وضيقوا على أهلها تضيقا عظيما ونصب عليها تسعة عشر منجنيقا فلما كان يوم الثلاثاء رابع جمادي الاخرة فتحت طرابلس في الساعة الرابعة من النهار عنوة وشمل القتل والاسر جميع من فيها وغرق كثير من اهل الميناء وسبيت النساء والاطفال وأخذت الذخائر والحواصل وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة ثلاث وخمسمائة إلى هذا التاريخ وقد كانت قبل ذلك في أيدي المسلمين من زمان معاوية فقد فتحها سفيان بن نجيب لمعاوية فأسكنها معاوية اليهود ثم كان عبد الملك بن مروان جدد عمارتها وحصنها وأسكنها المسلمين وصارت آمنة عامرة مطمئنة وبها ثمار الشام ومصر فإن بها الجوز والموز والثلج والقصب والمياه جارية فيها تصعد إلى أماكن عالية وقد كانت قبل لك ثلاث مدن متقاربة ثم صارت بلدا واحدا ثم حولت من موضعها كما سيأتي الان ولما وصلت البشارة إلى دمشق دقت البشائر وزينت البلاد وفرح الناس فرحا شديدا ولله الحمد والمنة
ثم امر السلطان الملك المنصور قلاوون أن تهدم البلد بما فيها من العمائر والدور والأسوار الحصينة التي كانت عليها وأن يبنى على ميل منها بلدة غيرها أمكن منها وأحسن ففعل ذلك فهي هذه البلدة التي يقال لها طرابلس ثم عاد إلى دمشق مؤيدا منصورا مسرورا محبورا فدخلها يوم النصف من جمادى الاخرة ولكنه فوض الامور والكلام في الاموال فيها إلى إلى علم الدين
الشجاعي فصادر جماعة وجمع أموالا كثيرة وحصل بسبب ذلك أذى الخلق وبئس هذا الصنيع فإن ذلك تعجيل لدمار الظالم وهلاكه فلم يغن عن المنصور ما جمع له الشجاعي من الاموال شيئا فإنه لم يعش بعد ذلك إلا اليسير حتى اخذه الله أخذ القرى وهي ظالمة كما سيأتي ثم سافر السلطان في ثاني شعبان بحيشه إلى الديار المصرية فدخلها في أواخر شعبان وفيها فتحت قلاع كثيرة بناحية حلب كركر وتلك النواحي وكسرت طائفة من التتر هناك وقتل ملكهم خربندا نائب التتر على ملطية
وفيها تولى الحسبة بدمشق جمال الدين يوسف بن التقي توبة التكريتي ثم أخذها بعد شهور تاج الدين الشيرازي وفيها وضع منبر عند محراب الصحابة بسبب عمارة كانت في المقصورة فصلى برهان الدين الاسكندري نائب الخطيب بالناس هناك مدة شهر الجماعات والجمعات ابتدؤا ذلك من يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة وممن توفي فيها من الاعيان