سلطنة الملك العادل كتبغا
 
وأصبح الأمير كتبغا في الحادي عشر من المحرم فلجس على سرير المملكة وخلع الملك الناصر محمد بن المنصور وألزمه بيت أهله وأن لا يخرج منه وبايعه الأمراء على ذلك وهنئوه ومد سماطا حافلا وسارت البريدية بذلك إلى الأقاليم فبويع له وخطب له مستقلا وضربت السكة باسمه وتم الأمر وزينت البلاد ودقت البشائر ولقب بالملك العادل وكان عمره إذ ذاك نحوا من خمسين سنة فإنه من سبي وقعة حمص الاولى التي كانت في أيام الملك الظاهر بعد وقعة عين
جالوت وكان من الغويرانية وهم طائفة من التتر واستناب في مصر الامير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري وكان بين يديه مدير المماليك وقد ذكر الجزري في تاريخه عن بعض الأمراء انه شهد هولاكوخان قد سأل منجمه أن يستخرج له من هؤلاء المقدمين في عسكره الذي يملك الديار المصرية فضرب وحسب وقال له أجد رجلا يملكها اسمه كتبغا فظنه كتبغانوين وهو صهر هولاكو فقدمه على العساكر فلم يكن هو فقتل في عين جالوت كما ذكرنا وأن الذي ملك مصر هذا الرجل وهو من خيار الأمراء وأجودهم سيرة ومعدلة وقصدا في نصرة الاسلام
وفي يوم الاربعاء مستهل ربيع الاول ركب كتبغا في أبهة الملك وشق القاهرة ودعا له الناس وعزل الصاحب تاج الدين بن الحنا عن الوزارة وولى فخر الدين بن الخليلي واستسقى الناس بدمشق عند مسجد القدم وخطب بهم تاج الدين صالح الجعبري نيابة عن مستخلفه شرف الدين المقدسي وكان مريضا فعزل نفسه عن القضاء وخطب الناس بعد ذلك وذلك يوم الاربعاء خامس جمادى الاولى فلم يسقوا ثم استسقوا مرة أخرى يوم السبت سابع جمادى الاخرة بالمكان المذكور وخطب بهم شرف الدين المقدسي وكان الجمع أكثر من أول فلم يسقوا وفي رجب حكم جمال الدين ابن الشريشي نيابة عن القاضي بدر الدين بن جماعة وفيه درس بالمعظمية القاضي شمس الدين بن العز انتزعها من علاء الدين بن الدقاق وفيه ولي القدس والخليل الملك الاوحد ابن الملك الناصر داود بن المعظم وفي رمضان رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الامام الكبير وذلك أنهم كانوا يصلون بعده فلما أحدث لمحراب الصحابة إمام كانوا يصلون جميعا في وقت واحد فحصل تشويش بسبب ذلك فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الامام الكبير وفي وقت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث الغربي
قلت وقد تغيرت هذه القاعدة بعدا لعشرين وسبعمائة كما سيأتي
وفي أواخر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصرى من الديار المصرية على قضاء العساكر بالشام وفي ظهر يوم الخميس خامس شوال صلى القاضي بدر الدين بن جماعة بمحراب الجامع إماما وخطيبا عوضا عن الخطيب المدرس شرف الدين المقدسي ثم خطب من الغد وشكرت خطبته وقراءته وذلك مضاف إليه ما بيده من القضاء وغيره
وفي أوائل شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى منها تدريس الغزالية لابن صصرى عوضا عن الخطيب المقدسي وتوقيع بتدريس الامينية لامام الدين القزويني عوضا عن نجم الدين ابن صصرى ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضا عنه وفي شوال كملت عمارة الحمام الذي أنشاه عز الدين الحموي بمسجد اقصب وهو من أحسن الحمامات وباشر مشيخه
دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين بن العطار عوضا عن شرف الدين المقدسي وحج فيها الملك المجاهد أنس بن الملك العادل كتبغا وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين وغيرهما ونودي بدمشق في يوم عرفة أن لا يركب أحد من أهل الذمة خيلا ولا بغالا ومن رأى من المسلمين أحدا من أهل الذمة قد خالف ذلك فله سلبه وفي أواخر هذه السنة والتي تليها حصل بديار مصر غلاء شديد هلك بسببه خلق كثير هلك في شهر ذي الحجة نحو من عشرين الفا وفيها ملك التتار قازان ابن أرغون بن أبغابن تولى بن جننكزخان فأسلم وأظهر الاسلام على يد الامير توزون رحمه الله ودخلت التتار أو أكثرهم في الاسلام ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤس الناس يوم إسلامه وتسمى بمحمود وشهد الجمعة والخطبة وخرب كنائس كثيرة وضرب عليهم الجزية ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد وظهرت السبح والهياكل مع التتار والحمد لله وحده وفيها توفي من الاعيان