ثم دخلت سنة ست وتسعين وستمائة
 
استهلت والخليفة والسلطان ونائب مصر ونائب الشام والقضاة هم المذكورون في التي قبلها والسلطان الملك العادل كتبغا في نواحي حمص يتصيد ومعه نائب مصر لاجين وأكابر الامراء ونائب الشام بدمشق وهو الامير سيف الدين غرلو العادلي فلما كان يوم الاربعاء ثاني المحرم دخل السلطان كتبغا إلى دمشق وصلى الجمعة بالمقصورة وزار قبر هود وصلى عنده وأخذ من الناس قصصهم بيده وجلس بدار العدل في يوم السبت ووقع على القصص هو ووزيره فخر الدين الخليلي وفي هذا الشهر حضر شهاب الدين بن محيي الدين بن النحاس في مدرستي أبيه الزنجانية والظاهرية وحضر الناس عنده ثم حضر السلطان دار العدل يوم الثلاثاء وجاء يوم الجمعة فصلى الجمعة بالمقصورة
ثم صعد في هذا اليوم إلى مغارة الدم لزيارتها ودعا هنالك وتصدق بجملة من المال وحضر الوزير الخليلي ليلة الأحد ثالث عشر المحرم إلى الجامع بعدا لعشاء فجلس عند شباك الكاملية وقرأ القراؤن بين يديه ورسم بان يكمل داخل الجامع بالفرش ففعلوا ذلك واستمر ذلك نحوا من شهرين ثم عاد إلى ما كان عليه
وفي صبحية هذا اليوم درس القاضي شمس الدين بن الحريري بالقيمازية عوضا عن ابن النحاس باتفاق بينهم وحضر عنده جماعة ثم صلى السلطان الجمعة الأخرى بالمقصورة ومعه وزيره ابن الخليلي وهو ضعيف من مرض اصابه وفي سابع عشر المحرم أمر للملك الكامل بن الملك السعيد ابن الصالح إسماعيل بن العادل بطبلخانة ولبس الشربوش ودخل القلعة ودقت له الكوسات على بابه ثم خرج السلطان العادل كتبغا بالعساكر من دمشق بكرة الثلاثاء ثاني عشرين المحرم وخرج بعده الوزير فاجتاز بدار الحديث وزار الأثر النبوي وخرج إليه الشيخ زين الدين الفارقي وشافهه بتدريس الناصرية وترك زين الدين تدريس الشامية البرانية فوليها القاضي كمال الدين بن الشريشي وذكر أن الوزير اعطى الشيخ شيئا من حطام الدينا فقبله وكذلك أعطى خادم الأثر وهو المعين خطاب وخرج الاعيان والقضاة مع الوزير لتوديعه ووقع في هذا اليوم مطر جيد استشفى الناس به وغسل آثار العساكر من الاوساخ وغيرها وعاد التقى توبة من توديع الوزير وقد فوض إليه نظر الخزانة وعزل عنها شهاب الدين بن النحاس ودرس الشيخ ناصر الدين بالناصرية الجوانية عوضا عن القاضي بدر الدين بن جماعة في يوم الاربعاء آخر يوم من المحرم
وفي هذا اليوم تحدث الناس فيما بينهم بوقوع تخبيط بين العساكر وخلف وتشويش فغلق باب القلعة الذي يلي المدينة ودخل الصاحب شهاب الدين إليها من ناحية الخوخة وتهيأ النائب والأمراء وركب طائفة من الجيش على باب النصر وقوفا فلما كان وقت العصر وصل السلطان الملك العادل كتبغا إلى القلعة في خمسة أنفس أو ستة من مماليكه فدخل القلعة فجاء إليه الأمراء وأحضر ابن جماعة وحسام الدين الحنفي وجددوا الحلف للأمراء ثانية فحلفوا وخلع عليهم وأمر بالاحتياط على نواب الامير حسام الدين لاجين وحواصله وأقام العادل بالقلعة هذه الايام وكان الخلف الذي وقع بينهم بوادي فحمة يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم وذلك أن الامير حسام الدين لاجين كان قد واطأ جماعة من الأمراء في الباطن على العادل وتوثق منهم وأشار على العادل حين خرجوا من دمشق أن يستصحب معه الخزانة وذل لئلا يبقى بدمشق شيء من المال يتقوى به العادل إن فاتهم ورجع إلى دمشق ويكون قوة له هو في الطريق على ما عزم عليه من الغدر فلما كانوا بالمكان المذكور قتل لاجين الامير سيف الدين بيحاص وبكتوت الازرق العادليين وأخذ
الخزانة من بين يديه والعسكر وقصدوا الديار المصرية فلما سمع العادل بذلك خرج في الدهليز وساق جريدة إلى دمشق فدخلها كما ذكرنا وتراجع إليه بعض مماليكه كزين الدين غلبك وغيره ولزم شهاب الدين الحنفي القلعة لتدبير المملكة ودرس ابن الشريشي بالشامية البرانية بكرة يوم الخميس مستهل صفر وتقلبت أمور كثيرة في هذه الايام ولزم السلطان القلعة لا يخرج منها وأطلق كثيرا من المكوس وكتب بذلك تواقيع وقرئت على الناس وغلا السعر جدا فبلغت الغرارة مائتين واشتد الحال وتفاقم الامر فإنا لله وإنا إليه راجعون