ثم دخلت سنة تسع عشرة وسبعمائة
 
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي ليلة مستهل محرم هبت ريح شديدة بدمشق سقط بسببها شيء من الجدران واقتلعت أشجارا كثيرة وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم خلع على جمال الدين بن القلانسي بوكالة بيت المال عوضا عن ابن الشريشي وفي يوم الاربعاء الخامس من صفر درس بالناصرية الجوانية ابن صصرى عوضا عن ابن الشريشي أيضا وحضر عنده الناس على العادة وفي عاشره باشر شد الدواوين جمال الدين أقوش الرحبي عوضا عن فخر الدين إياس وكان أقوش متولي دمشق من سنة سبع وسبعمائة وولى مكانه الامير علم الدين طرقش الساكن بالعقبية وفي هذا اليوم نودي بالبلد بصوم الناس لأجل الخروج إلى الاستسقاء وشرع في قراءة البخاري وتهيأ الناس ودعوا عقيب الصلوات وبعد الخطب وابتهلوا الى الله في الاستسقاء فلما كان يوم السبت منتصف صفر وكان سابع نيسان خرج اهل البلد برمتهم إلى عند مسجد القدم وخرج نائب السلطنة والامراء مشاة يبكون ويتضرعون واجتمع الناس هنالك وكان مشهدا عظيما وخطب بالناس القاضي صدر الدين سليمان الجعفري وأمن الناس على دعائه فلما أصبح الناس من اليوم الثاني جاءهم الغيث باذن الله ورحمته ورأفته لا بحولهم ولا بقوتهم ففرح الناس فرحا شديدا وعم البلاد كلها ولله الحمد والمنة وحده لا شريك له وفي أواخر الشهر شرعوا باصلاح رخام الجامع وترميمه وحلى أبوابه وتحسين ما فيه وفي رابع عشر ربيع الاخر درس بالناصرية
الجوانية ابن الشيرازي بتوقيع سلطاني وأخذها من ابن صصرى وباشرها إلى أن مات وفي يوم الخميس سادس عشر جمادي الاولى باشر ابن شيخ السلامية فخر الدين أخو ناظر الجيش الحسبة بدمشق عوضا عن ابن الحداد وباشر ابن الحداد نظر الجامع بدلا عن ابن شيخ السلامية وخلع على كل منهما
وفي بكرة الثلاثاء خامس جمادي الآخرة قدم من مصر إلى دمشق قاضي القضاة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة معين الدين ابي بكر بن الشيخ زكي الدين ظاهر الهمداني المالكي على قضاء المالكية بالشام عوضا عن ابن سلامة توفي وكان بينهما ستة أشهر ولكن تقليد هذا مؤرخ بآخر ربيع الاول ولبس الخلعة وقرئ تقليده بالجامع وفي هذا الشهر درس بالخاتونية البرانية القاضي بدر الدين بن نويرة الحنفي وعمره خمس وعشرون سنة عوضا عن القاضي شمس الدين محمد قاضي ملطية توفي وفي يوم السبت خامس رمضان وصل إلى دمشق سيل عظيم أتلف شيئا كثيرا وارتفع حتى دخل من باب الفرج ووصل إلى العقبية وانزعج الناس له وانتقلوا من أماكنهم ولم تطل مدته لأن أصله كان مطرا وقع بأرض وابل السوق والحسينية وفي هذا اليوم باشر طرقشي شد الدواوين بعد موت جمال الدين الرحبي وباشر ولاية المدينة صارم الدين الجوكندار وخلع عليهما
ولما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من رمضان اجتمع القضاة وأعيان الفقهاء عند نائب السلطنة بدار السعادة وقرئ عليهم كتاب من السلطان يتضمن منع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الفتيا بمسألة الطلاق وانفصل المجلس على تأكيد المنع من ذلك وفي يوم الجمعة تاسع شوال خطب القاضي صدر الدين الداراني عوضا عن بدر الدين ابن ناصر الدين بن عبدالسلام بجامع جراح وكان فيه خطيبا قبله فتولاه بدر الدين حسن العقرباني واستمر ولده في خطابة داريا التي كانت بيد أبيه من بعده وفي يوم السبت عشرة خرج الركب وأميرهم عز الدين أيبك المنصوري أمير علم وحج فيها صدر الدين قاضي القضاة الحنفي وبرهان الدين بن عبد الحق وشرف الدين بن تيمية ونجم الدين الدمشقي وهو قاضي الركب ورضى الدين المنطبقي وشمس الدين بن الزريز خطيب جامع القبيبات وعبد الله بن رشيق المالكي وغيرهم وفيها حج سلطان الاسلام الملك الناصر محمد بن قلاوون ومعه جمع كثير من الامراء ووكيله كريم الدين وفخر الدين كاتب المماليك وكاتب السر ابن الأثير وقاضي القضاة ابن جماعة وصاحب حماة الملك عماد الدين والصاحب شمس الدين غبريال في خدمة السلطان وكان في خدمته خلق كثير من الأعيان
وفيها كانت وقعة عظيمة بين التتار بسبب أن ملكهم أبا سعيد كان قد ضاق ذرعا بجوبان وعجز عن مسكه فانتدب له جماعة من الأمراء عن أمره منهم أبو يحيى خال أبيه ودقماق وقرشي وغيرهم من أكابر الدولة وأرادوا كبس جوبان فهرب وجاء إلى السلطان فانهى إليه ما كان منهم وفي صحبته الوزير على شاه ولم يزل بالسلطان حتى رضي عن جوبان وأمده بجيش كثيف وركب السلطان معه أيضا والتقوا مع أولئك فكسروهم وأسروهم وتحكم فيه جوبان فقتل منهم إلى آخر هذه السنة نحوا من أربعين أميرا وممن توفي فيها من الأعيان :