ثم دخلت سنة عشرين وسبعمائة
 
استهلت وحكام البلادهم المذكورون في التي قبلها وكان السلطان في هذه السنة في الحج وعاد إلى القاهرة يوم السبت ثاني عشر المحرم ودقت البشائر ورجع الصاحب شمس الدين على طريق الشام وصحبته الامير ناصر الدين الخازندار وعاد صاحب حماة مع السلطان إلى القاهرة وأنعم عليه السلطان ولقب بالملك المؤيد ورسم أن يخطب له على منابرها وأعمالها وأن يخطب بالمقام العالي
المولوي السلطاني الملكي المؤيدي على ما كان عليه عمه المنصور وفيها عمر ابن المرجاني شهاب الدين مسجد الخيف وأنفق عليه نحوا من عشرين ألفا وفي المحرم استقال أمين الدين من نظر طرابلس وأقام بالقدس وفي آخر صفر باشر نيابة الحكم المالكي القضاي شمس الدين محمد بن أحمد القفصي وكان قد قدم مع قاضي القضاة شرف الدين من مصر وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الاول ضربت عنق شخص يقال له عبد الله الرومي وكان غلاما لبعض التجار وكان قد لزم الجامع ثم ادعى النبوة واستتيب فلم يرجع فضربت عنقه وكان أشقر أزرق العينين جاهلا وكان قد خالطه شيطان حسن له ذلك واضطرب عقله في نفس الامر وهو في نفسه شيطان إنسي وفي يوم الاثنين ثاني ربيع الاخر عقد عقد السلطان على المرأة التي قدمت من بلاد القبجاق وهي من بنات الملوك وخلع على القاضي بدر الدين ابن جماعة وكاتب السروكريم الدين وجماعة الأمراء وصلت العساكر في هذا الشهر إلى بلاد سيس وغرق في بحر جاهان من عساكر طرابلس نحو من ألف فارس وجاءت مراسيم السلطان في هذا سقط لاسلطان عليهم لعدم قدوم والدهم مهنا على السلطان وفي يوم الاربعاء رابع عشرين جمادي الأولى درس بالركنية الشيخ محي الدين الاسمر الحنفي وأخذت منه الجوهرية لشمس الدين البرقي الاعرج وتدريس جامع القلعة لعماد الدين بن محيي الدين الطرسوسي الذي ولي قضاء الحنفية بعد هذا وأخذ من البرقي إمامة مسجد نور الدين له بحارة اليهود ولعماد الدين بن الكيال وامامة الربوة الشيخ محمد الصبيبي وفي جمادي الاخرة اجتمعت الجيوش الاسلامية بأرض حلب نحوا من عشرين الفا عليهم كلهم نائب حلب الطنبغا وفيهم نائب طرابلس شهاب الدين قرطبة فدخلوا بلاد الأرمن من اسكندرونة ففتحوا الثغرتم تل حمدان ثم خاضوا جاهان فغرق منهم جماعة ثم سلم الله من وصلوا إلى سيس فحاصروها وضيقوا على أهلها وأحرقوا دار الملك التي في البلد وقطعوا أشجار البساتين وساقوا الابقار والجواميس والاغنام وكذل فعلوا بطرسوس وخربوا الضياع والاماكن واحرقوا الزروع ثم رجعوا فخاضوا النهر المذكور فلم يغرق منهم أحد وأخرجوا بعد رجوعهم مهنا وأولاده من بلادهم وساقوا خلفه إلى غانة وحديثة ثم بلغ الجيوش موت صاحب سيس وقيام ولده من بعد فشنوا الغارات على بلاده وتابعوها وغنموا وأسروا إلا في المرة الرابعة فإنه قتل منهم جماعة
وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمة ببلاد المغرب بين المسلمين والفرنج فنصر الله المسلمين على اعدائهم فقتلوا منهم خمسين ألفا وأسروا خمسة آلاف وكان في جملة القتلى خمسة وعشرين ملكا من ملوك الافرنج وغنموا شيئا كثيرا من الأموال يقال كان من جملة ما غنموا سبعون قنطارا من الذهب والفضة وإنما كان جيش الاسلام يومئذ ألفين وخمسمائة فارس غير الرماة ولم يقتل منهم سوى إحدى عشر قتيلا وهذا من غريب ما وقع وعجيب ما سمع وفي يوم الخميس ثاني عشرين رجب عقد مجلس بدار السعادة للشيخ تقي الدين بن تيمية بحضرة نائب السلطنة وحضر فيه القضاة والمفتيون من المذاهب وحضر الشيخ وعاتبوه على العود إلى الافتاء بمسألة الطلاق ثم حبس في القلعة فبقي فيها خمسة أشهر وثمانية عشر يوما ثم ورد مرسوم من السلطان باخراجه يوم الاثنين يوم عاشوراء من سنة إحدى وعشرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى وبعد ذلك بأربعة أيام أضيف شد الأوقاف إلى الأمير علاء الدين بن معبد الى ما بيده من ولاية البر وعزل بدر الدين المنكورسي عن الشام
وفي آخر شعبان مسك الامير علاء الدين الجاولي نائب غزة وحمل الى الاسكندرية لأنه انهم انه يريد الدخول الى دار اليمن واحتيط على حواصله وأمواله وكان له بر وإحسان وأوقاف وقد بنى بغزة جامعا حسنا مليحا وفي هذا الشهر اراق ملك التتر ابو سعيد الخمور وابطل الحانات وأظهر العدل والاحسان إلى الرعايا وذلك انه أصابهم برد عظيم وجاءهم سيل هائل فلجؤا إلى الله عز وجل وابتهلوا إليه فسلموا فتابوا وأنابوا وعملوا الخير عقيب ذلك وفي العشر الأول من شوال جرى المال بالنهر الكريمي الذي اشتراه كريم الدين بخمسة وأربعين ألفا وأجراه في جدول إلى جامعه بالقبيبات فعاش به الناس وحصل به أنس إلى أهل تلك الناحية ونصبت عليه الاشجار البساتين وعمل حوض كبير تجاه الجامع من الغرب يشرب منه الناس والدواب وهو حوض كبير ومل مطهرة وحصل بذلك نفع كثير ورفق زائد أثابه الله وخرج الركب في حادي عشر شوال وأميره الملك صلاح الدين بن الاوحد وفيه زين الدين كتبغا الحاجب وكمال الدين الزملكاني والقاضي شمس الدين بن المعز وقاضي حماة شرف الدين البازري وقطب الدين ابن شيخ السلامية وبدر الدين بن العطار وعلاء الدين بن غانم ونور الدين السخاوي وهو قاضي الركب ومن المصريين قاضي الحنفية ابن الحريري وقاضي الحنابلة ومجد الدين حرمي والشرف عيسى المالكي وهو قاضي الركب وفيه كملت عمارة الحمام الذي عمره الجيبغا غربي دار الطعم ودخله الناس
وفي أواخر ذي الحجة وصل إلى دمشق من عند ملك التتر الخواجه مجد الدين إسماعيل بن محمد ابن ياقوت السلامي وفي صحبته هدايا وتحف لصاحب مصر من ملك التتر وأشهر أنه إنما جاء ليصلح بين المسلمين والتتر فتلقاه الجند والدولة ونزل بدار السعادة يوما واحدا ثم سار الى مصر وفيها وقف الناس بعرفات موقفا عظيما لم يعهد مثله أتوه من جميع أقطار الأرض وكان مع
العراقيين محامل كثيرة منها محمل قوم ما عليه من الذهب واللالئ بألف ألف دينار مصرية وهذا أمر عجيب وممن توفي فيها من الاعيان :