ثم دخلت سنة خمس وعشرين وسبعمائة
 
استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وأولها يوم الأربعاء وفي خامس صفر منها قدم إلى دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني بعد مرجعه من الحج زيارة القدس الشريف وهو رجل فاضل له مصنفات منها شرح مختصر ابن الحاجب وشرح الجويد وغير ذلك ثم إنه شرح الحاجبية أيضا وجمع له تفسيرا بعد صيرورته إلى مصر ولما قدم إلى دمشق أكرم واشتغل عليه الطلبة وكان حظيا عند القاضي جلال الدين القزويني ثم إنه ترك الكل وصار يتردد إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية وسمع عليه من مصنفاته ورده على أهل الكلام ولازمه مدة فلما مات الشيخ تقي الدين تحول إلى مصر وجمع التفسير
وفي ربيع الأول جرد السلطان تجريدة نحو خمسة آلاف إلى اليمن لخروج عمه عليه وصحبتهم خلق كثير من الحجاج منهم الشيخ فخر الدين النويري وفيها منع شهاب الدين بن مرى البعلبكي من الكلام على الناس بمصر على طريقة الشيخ تقي الدين بن تيمية وعزره القاضي المالكي بسبب الاستغاثة وحضر المذكور بين يدي السلطان وأثنى عليه جماعة من الأمراء ثم سفر إلى الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل ثم انتزح إلى بلاد الشرق وأقام بسنجار وماردين ومعاملتهما يتكلم ويعظ الناس إلى أن مات رحمه الله كما سنذكره
وفي ربيع الأخر عاد نائب الشام من مصر وقد أكرمه السلطان والأمراء وفي جمادي الأولى وقع بمصر مطر لم يسمع بمثله بحيث زاد النيل بسببه أربع أصابع وتغير أياما وفيه زادت دجلة ببغداد حتى غرقت ما حول بغداد وانحصر الناس بها ستة أيام لم تفتح أبوابها وبقيت مثل السفينة في وسط البحر وغرق خلق كثير من الفلاحين وغيرهم وتلف للناس مالا يعمله إلا الله وودع أهل البلد بعضهم بعضا ولجأوا إلى الله تعالى وحملوا المصاحف على رؤسهم في شدة الشوق في أنفسهم
حتى القضاة والأعيان وكان وقتا عجيبا ثم لطف الله بهم فغيض الماء وتناقص وتراجع الناس إلى ما كانوا عليه من أمورهم الجائرة وغير الجائرة وذكر بعضهم انه غرق بالجانب الغربي نحو من ستة آلاف وستمائة بيت وإلي عشرة سنين لا يرجع ما غرق
وفي أوائل جمادي الأخرة فتح السلطان خانقاه سريافوس التي أنشأها وساق إليها خليجا وبنى عندها محلة وحضر السلطان بها ومعه القضاة والأعيان والأمراء وغيرهم ووليها مجد الدين الأقصرائي وعمل السلطان بها وليمة كبيرة وسمع على قاضي القضاة ابن جماعة عشرين حديثا بقراءة ولده عز الدين بحضرة الدولة منهم أرغون النائب وشيخ الشيوخ القونري وغيرهم وخلع على القارئ عز الدين واثنوا عليه ثناء زائدا وأجلس مكرما وخلع ايضا على والده ابن جماعة وعلى المالكي وشيخ الشيوخ وعلى مجد الدين الاقصرائي شيخ الخانقاه المذكورة وغيرهم وفي يوم الأربعاء رابع عشر رجب درس بقبة المنصورية في الحديث الشيخ زين الدين بن الكتاني الدمشقي بإشارة نائب الكرك وأرغون وحضر عنده الناس وكان فقيها جيدا وأما الحديث فليس من فنه ولا من شغله
وفي أواخر رجب قدم الشيخ زين الدين بن عبد الله بن المرحل من مصر على تدريس الشامية البرانية وكانت بيد ابن الزملكاني فانتقل إلى قضاء حلب فدرس بها في خامس شعبان وحضر القاضي الشافعي وجماعة وفي سلخ رجب قدم القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة من مصر ومعه ولده وفي صحبته الشيخ جمال الدين الدمياطي وجماعة من الطلبة بسبب سماع الحديث فقرأ بنفسه وقرأ الناس له واعتنوا بأمره وسمعنا معهم وبقراءته شيئا كثيرا نفعهم الله بما قرؤوا وبما سمعوا ونفع بهم وفي يوم الاربعاء ثاني عشر شوال درس الشيخ شمس الدين بن الأصبهاني بالرواحية بعد ذهاب ابن الزملكاني إلى حلب وحضر عنده القضاة والأعيان وكان فيهم شيخ الاسلام ابن تيمية وجرى يومئذ بحث في العام إذا خص وفي الاستثناء بعد النفي ووقع إنتشار وطال الكلام في ذلك المجلس وتكلم الشيخ تقي الدين كلاما أبهت الحاضرين وتأخر ثبوت عيد الفطر إلى قريب الظهر يوم العيد فلما ثبت دقت البشائر وصلى الخطيب العيد من الغد بالجامع ولم يخرج الناس إلى المصلي وتغضب الناس على المؤذنين وسجن بعضهم وخرج الركب في عاشره وأميره صلاح الدين ابن ايبك الطويل وفي الركب صلاح الدين بن أوحد والمنكورسي وقاضية شهاب الدين الظاهر وفي سابع عشره درس بالرباط الناصري بقاسيون حسام الدين القزويني الذي كان قاضي طرابلس قايضه بها جمال الدين بن الشريشني إلى تدريس المسرورية وكان قد جاء توقيعه بالعذراوية والظاهرية فوقف في طريقه قاضي القضاة جمال الدين ونائباه ابن جملة
والفخر المصري وعقد له ولكمال الدين ابن الشيرازي مجلسا ومعه توقيع بالشامية البرانية فعطل الامر عليهما لأنهما لم يظهرا استحقاهما في ذلك المجلس فصارت المدرستان العذراوية والشامية لابن المرحل كما ذكرنا وعظم القزوينى بالمسروية فقايض منها لابن الشريشنى إلى الرباط الناصري فدرس به في هذا اليوم وحضر عنده القاضي جلال الدين ودرس بعده ابن الشريشني بالمسرورية وحضر عنده الناس أيضا وفيه عادت التجريدة اليمنية وقد فقد منهم خلق كثير من الغلمان وغيرهم فحبس مقدمهم الكبير ركن الدين بيبرس لسو سرته فيهم ومم توفي فيها من الأعيان :