ثم دخلت سنة ست وعشرين وسبعمائة
 
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب سر دمشق شهاب الدين محمود فإنه توفي وولى المنصب من بعده ولده الصدر شمس الدين وفيها تحول التجار في قماش النساء المخيط من الدهشة التي للجامع إلى دهشة سوق على وفي يوم الأربعاء ثمان المحرم باشر مشيخة الحديث الظاهرية الشيخ شهاب الدين بن جهبل بعد وفاة العفيف إسحاق وترك تدريس الصلاحية بالقدس الشريف واختار دمشق وحضر عنده القضاة والأعيان وفي أولها فتح الحمام الذي بناه الامير سيف الدين جوبان بجوار داره بالقرب من دار الجالق وله بابان أحدهما إلى جهة مسجد الوزير وحصل به نفع وفي يوم الاثنين ثاني صفر قدم الصاحب غبريال من مصر على البريد متوليا نظر الدواوين بدمشق على عادته وانفصل عنها الكريم الصغير وفرح الناس به وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الاول بكرة ضربت عنق ناصر بن الشرف ابي الفضل بن إسماعيل بن الهيئي بسوق الخيل على كفره واستهانته واستهتاره بآيات الله وصحبته الزنادقة كالنجم بن خلكان والشمس محمد الباجريقي وابن المعمار البغدادي وكل فيهم إنحلال وزندقة مشهور بها بين الناس قال الشيخ علم الدين الرزالي وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الاسلام والاستهانة بالنبوة والقرآن قال وحضر قتله العلماء والاكبار وأعيان الدولة قال وكان هذاالرجل في أول أمره قد حفظ التنبيه وكان يقرأ في الختم بصوت حسن وعنده نباهة وفهم وكان منزلا في المدارس والترب ثم إنه أنسلخ من ذلك جميعه وكان قتله عزا للاسلام وذلا للزنادقة وأهل البدع
قلت وقد شهدت قتله كان شيخنا أبو العباس أبن تيمية حاضرا يومئذ وقد أتاه وقرعة على ما كان يصدر منه قبل قتله ثم ضربت عنقه وأنا شاهد ذلك
وفي شهر ربيع الاول رسم في إخراج الكلاب من مدينة دمشق فجعلوا في الخندق من جهة باب الصغير من ناحية باب شرقي الذكور على حدة والاناث على حده وألزم أصحاب الدكاكين بذلك وشددوا في أمرهم أياما وفي ربيع الاول ولي الشيخ علاء الدين المقدسي معيد البادرانية مشيخة الصلاحية بالقدس الشريف وسافر اليها وفي جمادي الاخرة عزل قرطاي عن ولاية طرابلس ووليها طينال وأقر قرطاي على خبز الفرماني بدمشق بحكم سجن القرماني بقلعة دمشق قال البرزالي وفي يوم الاثنين عند العصر سادس عشر شعبان اعتقل الشيخ الامام العالم العلامة تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشق حضر إليه من جهة نائب السلطنة تنكز مشدا الاوقاف وابن الخطيري أحد الحجاب بدمشق وأخبراه ان مرسوم السلطان ورد بذلك وأحضرا معهما مركوبا ليركبه وأظهر السرور والفرح بذلك وقال انا كنت منتظرا لذلك وهذا فيه خير كثير ومصلحة كبيرة وركبوا جميعا من داره إلى باب القلعة وأخليت له قاعة وأجرى إليها الماء ورسم له بالاقامة فيها وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه باذن السلطان ورسم له ما يقوم بكفايته قال البرزالي وفي يوم الجمعة عاشر الشهر المذكور قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد باعتقاله ومنعه من الفتيا وهذه الواقعة سببها فتيا وجدت بخطه في السفر وإعمال المطي إلى زيارة قبور الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقبور الصالحين قال وفي يوم الاربعاء منتصف شعبان أمر قاضي القضاة الشافعي في حبس جماعة من أصحاب الشيخ تقي الدين في سجن الحكم وذلك بمرسوم نائب السلطنة وإذنه له فيه فيما تقتضيه الشريعة في أمرهم وعزر جماعة منهم على دواب ونودي عليهم ثم أطلقوا سوى شمس الدين محمد بن قيم الجوزية فإنه حبس بالقلعة وسكتت القضية قال وفي أول رمضان وصلت الاخبار إلى دمشق أنه أجريت عين ماء إلى مكة شرفها الله وانتفع الناس بها انتفاعا عظيما وهذه العين تعرف قديما بعين باذان أجرها جوبان من بلاد بعيدة حتى دخلت الى نفس مكة ووصلت إلى عند الصفا وباب ابراهيم واستقى الناس منها فقيرهم وغنيهم وضعيفهم وشريفهم كلهم فيها سواء وارتفق أهل مكة بذلك رفقا كثيرا ولله الحمد والمنة وكانوا قد شرعوا في حفرها وتجديدها في أوائل هذه السنة إلى العشر الاخر من جمادي الاولى واتفق ان في هذه السنة كانت الابار التي بمكة قد يبست وقل ماؤها وقل ماء زمزم أيضا فلولا ان الله تعالى طلف بالناس بإجراء هذه القناة لنزح عن مكة أهلها أو هلك كثير مما يقيم بها وأما الحجيج في أيام الموسم فحصل لهم بها رفق عظيم زائد عن الوصف كما شاهدنا ذلك في سنة إحدى وثلاثين عام حججنا وجاء كتاب السلطان إلى نائبه بمكة بإخراج الزيديين من المسجد الحرام وأن لا يكون لهم فيه إمام ولا يجتمع ففعل ذلك
وفي يوم الثلاثاء رابع شعبان درس بالشامية الجوانية شهاب الدين أحمد بن جهبل وحضر عنده القاضي القزويني الشافعي وجماعة عوضا عن الشيخ آمين الدين سالم بن أبي الدر إمام مسجد ابن هشام توفي ثم بعد أيام جاء توقيع بولاية القاضي الشافعي فباشرها في عشرين رمضان وفي عاشر شوال خرج الركب الشامي وأميره سيف الدين جوبان وحج عامئذ القاضي شمس الدين بن مسلم قاضي قضاة الحنابلة وبدر الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني ومعه تحف وهدايا وأمور تتعلق بالأمير سيف الدين أرغون نائب مصر فإنه حج في هذه السنة ومعه اولاده وزوجته بنت السلطان وحج فخر الدين ابن شيخ السلامية وصدر الدين المالكي وفخر الدين البعلبكي وغيره
وفي يوم الاربعاء عاشر القعدة درس بالحنبلية برهان الدين أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي بدلا عن شيخ الاسلام ابن تيمية وحضر عنده القاضي الشافعي وجماعة من الفقهاء وشق ذلك على كثير من أصحاب الشيخ تقي الدين وكان ابن الخطيري الحاجب قد دخل على الشيخ تقي الدين قبل هذا اليوم فاجتمع به وسأله عن اشياء بأمر نائب السلطنة ثم يوم الخميس دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الاوقاف وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة فكتب ذلك في درج وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية إلى ان قال وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي ص وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالاجماع مقطوعا بها فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الاسلام فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الانبياء والصالحين وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل بل يستحبها ويندب إليها وكتبه ومناسكه تشهد بذلك ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذه الوجه في الفتيا ولا قال إنها معصية ولا حكى الاجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول الرسول زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ولا يخفى عليه خافية وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وفي يوم الاحد رابع القعدة فتحت المدرسة الحمصية تجاه الشامية الجوانية ودرس بها محيي الدين الطرابلسي قاضي هكار وتلقب بأبي رباح وحضر عنده القاضي الشافعي وفي ذي القعدة سافر القاضي جمال الدين الزرعي من الاتابكية إلى مصر ونزل عن تدريسها لمحيي الدين بن جهبل وفي ثاني عشر ذي الحجة درس بالنجيبية ابن قاضي الزبداني عوضا عن الدمشق نائب الحكم مات بالمدرسة المذكورة
وممن توفي فيها من الاعيان :