ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسبعمائة
 
استهلت بيوم الجمعة والحكام الخليفة والسلطان والنواب والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنبلي كما تقدم وفي العشر من المحرم دخل مصر أرغون نائب مصر فمسك في حادي عشر وحبس ثم أطلق أياما وبعثه السلطان إلى نائب حلب فاجتاز بدمشق بكرة الجمعة ثاني عشرين المحرم فأنزله نائب السلطنة بداره المجاورة لجامعة فبات بها ثم سافر إلى حلب وقد كان قبله بيوم قد سافر من دمشق الجاي الدوادار إلى مصر وصحبته نائب حلب علاء الدين الطنبغا معزولا عنها إلى حجوبية الحجاب بمصر وفي يوم الجمعة التاسع عشر ربيع الاول قرئ تقليد قاضي الحنابلة عز الدين محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي عوضا عن ابن مسلم بمقصروة الخطابة بحضرة القضاة والاعيان وحكم وقرئ قبل ذلك بالصالحية وفي أواخر هذا الشهر وصل البريد بتولية ابن النقيب الحاكم بحمص قضاء القضاة بطرابلس ونقل الذي بها إلى حمص نائبا عن قاضي دمشق وهو ناصر بن محمود الزرعي
وفي سادس عشر ربيع الآخر عاد تنكز من مصر إلى الشام وقد حصل له تكريم من السلطان وفي ربيع الاول حصلت زلزلة بالشام وقى الله شرها وفي يوم الخميس مستهل جمادي الاولى باشر نيابة الحنبلي القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده جماعة من القضاة وفي يوم الجمعة منتصف جمادي الاخرة جاء البريد بطلب القاضي القزويني الشافعي إلى مصر فدخلها في مستهل رجب فخلع عليه بقضاء قضاة مصر مع تدريس الناصرية والصالحية ودار الحديث الكاملية عوضا عن بدر الدين بن جماعة لأجل كبر سنة وضعف نفسه وضرر عينيه فجبروا خاطره فرتب له ألف درهم وعشرة ارادب قمح في الشهر مع تدريس زاوية الشافعي وأرسل ولده بدر الدين إلى دمشق خطيبا بالأموي وعلى تدريس الشامية البرانية على قاعدة والده جلال الدين القزويني في ذلك فخلع عليه في أواخر رجب ثامن عشرين وحضر عنده الأعيان
وفي رجب كان عرس الامير سيف الدين قوصون الساقي الناصري على بنت السلطان وكان وقتا مشهودا خلع على الأمراء والأكابر وفي صبيحة هذه الليلة عقد عقد الأمير شهاب الدين أحمد بن الامير بكتمر الساقي على بنت تنكز نائب الشام وكان السلطان وكيل أبيها تنكز والعقاد ابن الحريري وخلع عليه وأدخلت في ذي الحجة من هذه السنة في كلفة كثيرة
وفي رجب جرت فتنة كبيرة بالاسكندرية في سابع رجب وذلك أن رجلا من المسلمين قد تخاصم هو ورجل من الفرنج على باب البحر فضرب أحدهما الاخر بنعل فرفع الأمر إلى الوالي فأمر بغلق باب البلد بعدالعصر فقال له الناس إن لنا أموالا وعبيدا ظاهر البلد وقد أغلقت الباب قبل وقته ففتحه فخرج الناس في زحمة عظيمة فقتل منهم نحو عشرة ونهبت عمائم وثياب وغير ذلك وكان ذلك ليلة الجمعة فلما أصبح الناس ذهبوا إلى دار الوالي فأحرقوها وثلاث دور لبعض الظلمة وجرت أحوال صعبة ونهبت اموال وكسرت العامة باب سجن الوالي فخرج منه من فيه فبلغ نائب السلطنة فاعتقد النائب انه السجن الذي فيه الامراء فأمر بوضع السيف في البلد وتخريبه ثم إن الخبر بلغ السلطان فأرسل الوزير طيبغا الجمالي سريعا فضرب وصادر وضرب القاضي ونائبه وعزلهم وأهان خلقا من الاكابر وصادرهم بأموال كثيرة جدا وعزل المتولي ثم أعيد ثم تولي القضاء بهاء الدين علم الدين الاخنائي الشافعي الذي تولى دمشق فيما بعد وعزل قضاة الاسكندرية المالكي ونائباه ووضعت السلاسل في أعناقهم وأهينوا وضرب ابن السني غير مرة وفي يوم السبت عشرين شعبان وصل إلى دمشق قاضي قضاة حلب ابن الزملكاني على البريد فأقام بدمشق أربعة أيام ثم سار إلى مصر ليتولى قضاء قضاة الشام بحضرة السلطان فاتفق موته قبل وصوله إلى القاهرة وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك منه مريب وفي يوم الجمعة سادس عشرين شعبان باشر صدر الدين المالكي مشيخة الشيوخ مضافا إلى قضاء قضاة الماللكية وحضر الناس عنده وقرئ تقليده بذلك بعد انفصال الزرعي عنها إلى مصر وفي نصف رمضان وصل قاضي الحنفية بدمشق لقضاء القضاة عماد الدين أبي الحسن علي بن احمد بن عبد الواحدالطرسوسي الذي كان نائبا لقاضي القضاة صدر الدين علي البصروي فخلفه بعده بالمنصب وقرئ تقليده بالجامع وخلع عليه وباشر الحكم واستناب القضاي عماد الدين ابن العز ودرس بالنورية مع القضاء وشكرت سيرته
وفي رمضان قدم جماعة من الاسارى مع تجار الفرنج فأنزلوا بالمدرسة العادلية الكبيرة واستفكوا من ديوان الاسرى بنحو من ستين ألفا وكثرت الادعية لمن كان السبب في ذلك وفي ثامن شوال خرج الركب الشامي إلى الحجاز وأميره سيف الدين بالبان المحمدي وقاضيه بدر الدين محمد بن محمد قاضي حران وفي شوال وصل تقليد قضاء الشافعية بدمشق لبدر الدين ابن قاضي القضاة ابن عز الدين بن الصائغ والخلعة معه فامتنع من ذلك اشد الامتناع وصمم وألح عليه الدولة فلم يقبل وكثر بكاؤه وتغير مزاجه واغتاظ فلما أصر على ذلك راجع تنكز السلطان في ذلك فلما كان شهر ذي القعدة أشتهر تولية علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي قضاء الشام فسار إليها من مصر وزار القدس ودخل دمشق يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة فاجتمع بنائب السلطنة ولبس الخلعة وركب مع الحجاب والدولة إلى العادلية فقرئ تقليده بها وحكم بها على العادة وفرح الناس به وبحسن سمته وطيب لفظه وملاحة شمائله وتودده وولى بعده مشيخة الشيوخ بمصر مجد الدين الاقصرائي الصوفي شيخ سرياقوس
وفي يوم السبت ثالث عشرين ذي القعدة لبس القاضي محي الدين بن فضل الله الخلعة بكتابة السر عوضا عن ابن الشهاب محمود واستمر ولده شرف الدين في كتابة الدست وفي هذه السنة تولى قضاء حلب عوضا عن ابن الزملكاني القاضي فخر الدين البازري وفي العشر الاول من ذي الحجة كمل ترخيم الجامع الاموي اعني حائطه الشمالي وجاء تنكز حتى نظر إليه فأعجبه ذلك وشكر ناظره تقي الدين بن مراجل وفي يوم الاضحى جاء سيل عظيم إلى مدينة بلبيس فهرب أهلها منها وتعطلت الصلاة والاضاحي فيها ولم ير مثله من مدة سنين متطاولة وخرب شيئا كثيرا من حواضرها وبساتينها فإنا الله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :