ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
 
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وقد ذكرنا ما كان من عبيد مكة إلى الحجاج وأنه قتل من المصريين أميران فلما بلغ الخبر السلطان عظم عليه ذلك وامتنع من الاكل على السماط فيما يقال أياما ثم جرد ستمائة فارس وقيل ألفا والاول أصح وارسل إلى الشام أن يجرد مقدما آخر فجرد الامير سيف الدين الجي بغا العادلي وخرج من دمشق يوم دخلها الركب في سادس عشرين المحرم وأمر أن يسير الى إلية ليجتمع مع المصريين وأن يسيروا جميعا إلى الحجاز وفي يوم الاربعاء تاسع صفر وصل نهر الساجور إلى مدينة حلب وخرج نائب حلب ارغون ومعه الأمراء مشاة اليه في تهليل وتكبير وتحميد يتلقون هذا النهر ولم يكن احد من المعالي ولا غيرهم أن يتكلم بغير ذكر الله تعالى وفرح الناس بوصوله إليهم فرحا شديدا وكانوا قد وسعوا في تحصيله من أماكن بعيدة احتاجوا فيها إلى نقب الجبال وفيها صخور ضخام وعقدوا له قناطر على الأودية وما وصل إلا بعد جهد جهيد وأمر شديد فلله الحمد وحده لا شريك له وحين رجع نائب حلب ارغون مرض مرضا شديدا ومات رحمه الله
وفي سابع صفر وسع تنكز الطرقات بالشام ظاهر باب الجابية وخرب كل ما يضيق الطرقات وفي ثاني ربيع الاول لبس علاء الدين القلانسي خلعة سنية لمباشرة نظر الدواوين ديوان ملك الأمراء وديوان نظر المارستان عوضا عن ابن العادل ورجع ابن العادل إلى حجابة الديوان الكبير وفي يوم ثاني ربيع الاول لبس عماد الدين ابن الشيرازي خلعة نظر الاموي عوضا عن ابن مراجل عزل عنه لا الى بدل عنه وباشر جمال الدين بن القويرة نظر الاسرى بدلا عن ابن الشيرازي وفي يوم الخميس آخر ربيع الاول لبس القاضي شرف الدين بن عبد الله بن شرف الدين
حسن ابن الحافظ ابي موسى عبد الله ابن الحافظ عبدا لغني المقدسي خلعة قضاء الحنابلة عوضا عن عز الدين بن التقي سليمان توفي رحمه الله وركب من دار السعادة إلى الجامع فقرئ تقليده تحت النسر بحضرة القضاة والاعيان ثم ذهب إلى الجوزية فحكم بها ثم إلى الصالحية وهو لابس الخلعة واستناب يومئذ ابن أخيه النقي عبد الله بن شهاب الدين أحمد وفي سلخ ربيع الاخر اجتاز الامير علاء الدين الطنبغا بدمشق وهو ذاهب إلى بلاد حلب نائبا عليها عوضا عن ارغون توفي إلى رحمة الله وقد تلقاه النائب والجيش وفي مستهل جمادي الاولى حضر الامير الشريف رميثة بن أبي نمي إلى مكة فقرئ تقليده بامرة مكة من جهة السلطان صحبة التجريدة وخلع عليه وبايعه الأمراء المجردون من مصر والشام داخل الكعبة وقد كان وصول التجاريد إلى مكة في سابع ربيع الاول فأقاموا بباب المعلى وحصل لهم خير كثير من الصلاة والطواف وكانت الاسعار رخيصة معهم
وفي يوم السبت سابع ربيع الاخر خلع على القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة بوكلة السلطان ونظر جامع طولون ونظر الناصرية وهنأه الناس عوضا عن التاج ابن إسحاق عبد الوهاب توفي ودفن بالقرافة وفي هذا الشهر تولى عماد الدين ابن قاضي القضاة الاخنائي تدريس الصارمية وهو صغير بعد وفاة النجم هاشم بن عبد الله البعلبكي الشافعي وحضرها في رجب وحضر عنده الناس خدمة لأبيه وفي حادى عشرين جمادى الآخرة رجعتالتجريدة من الحجاز صحبة الامير سيف الدين الحي بغا وكانت غيبتهم خمسة أشهر وأياما وأقاموا بمكة شهرا واحدا ويوما واحدا وحصل للعرب منهم رعب شديد وخوف أكيد وعزلوا عن مكة عطية وولوا أخاه رميثة وصلوا وطافوا واعتمروا ومنهم من أقام هناك ليحج وفي ثاني رجب خلع على ابن ابي الطيب بنظر ديوان بيت المال عوضا عن ابن الصاين توفي
وفي أوائل شعبان حصل بدمشق هواء شديد مزعج كسر كثيرا من الاشجار والاغصان وألقى بعض الحيطان والجدران وسكن بعد ساعة باذن الله فلما كان يوم تاسعه سقط برد كبار مقدار بيض الحمام وكسر بعض جامات الحمام وفي شهر شعبان هذا خطب بالمدرسة المعزية على شاطيء النيل أنشأها الأمير سيف الدين طغز دمر أمير مجلس الناصري وكان الخطيب عز الدين عبد الرحيم بن الفرات الحنفي وفي نصف رمضان قدم الشيخ تاج الدين عمر بن علي بن سالم الملحي ابن الفاكهاني المالكي نزل عند القاضي الشافعي وسمع عليه شيئا من مصنفاته وخرج إلى الحج عامئذ مع الشاميين وزار القدس قبل وصوله إلى دمشق وفي هذا الشهر وطيء سوق الخيل وركبت في حصبات كثيرة وعمل فيه نحو من اربعمائة نفس في أربعة أيام حتى ساووه وأصلحوه وقد كان
قبل ذلك يكون فيه مياه كثيرة وملقات وفيه أصلح سوق الدقيق داخل باب الجابية إلى الثابتية وسقف عليه السقوف
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال وأميره عز الدين ايبك امير علم وقاضيه شهاب الدين الظاهري وممن حج فيه شهاب الدين بن جهبل وابو النسر وابن جملة والفخر المصري والصدر المالكي وشرف الدين الكفوي الحنفي والبهاء ابن إمام المشهد وجلال الدين الأعيالي ناظر الأيتام وشمس الدين الكردي وفخر الدين البعلبكي ومجد الدين ابن أبي المجد وشمس الدين ابن قيم الجوزية وشمس الدين ابن خطيب بيرة وشرف الدين قاسم العلجوني وتاج الدين ابن الفاكهاني والشيخ عمر السلاوي وكاتبه إسماعيل ابن كثير وآخرون من سائر المذاهب حتى كان الشيخ بدر الدين يقول اجتمع في ركبنا هذا أربعمائة فقيه وأربع مدارس وخانقاه ودار حديث وقد كان معنا من المتفتيين ثلاثة عشر نفسا وكان في المصريين جماعة من الفقهاء منهم قاضي المالكية تقي الدين الاخنائي وفخر الدين النويري وشمس الدين ابن الحارثي ومجد الدين الاقصرائي وشيخ الشيوخ الشيخ محمد المرشدي وفي ركب العراق الشيخ أحمد السروجي أشد وكان من المشاهير وفي الشاميين الشيخ علي الواسطي صحبة ابن المرجاني وأمير المصريين مغلطاي الجمالي الذي كان وزيرا في وقت وكان إذ ذاك مريضا ومررنا بعين تبوك وقد أصلحت في هذه السنة وصينت من دوس الجمال والجمالين وصار ماؤها في غاية الحسن والصفاء والطيب وكانت وقفة الجمعة ومطرنا بالطواف وكانت سنة مرخصة آمنة
وفي نصف ذي الحجة رجع تنكز من ناحية قلعة جعبر وكان في خدمته أكثر الجيش الشامي وأظهر أبهة عظيمة في تلك النواحي وفي سادس عشر ذي الحجة وصل توقيع القاضي علاء الدين بن القلانسي بجميع جهات اخيه جمال الدين بحكم وفاته مضافا إلى جهاته فاجتمع له من المناصب الكبار ما لم يجتمع لغيره من الرؤساء في هذه الأعصار فمن ذلك وكالة بيت المال وقضاء العسكر وكتابة الدست ووكالة ملك الأمراء ونظر البيمارستان ونظر الحرمين ونظر ديوان السعيد وتدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية وغير ذلك انتهى وممن توفي فيها من الأعيان :