ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمائة
 
استهلت هذه السنة والسلطان الملك الاشرف ناصر الدين شعبان والدولة بمصر والشام هم هم ودخل المحمل السلطاني صبيحة يوم الاثنين الرابع والعشرين منه وذكروا انهم نالهم في الرجعة شدة شديدة من الغلاء وموت الجمال وهرب الجمالين وقدم مع الركب ممن خرج من الديار المصرية قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح وقد سبقه التقليد بقضاء القضاة مع خالد تاج الدين يحكم فيما يحكم فيه مستقلا معه ومنفردا بعده
وفي شهر الله المحرم رسم نائب السلطنة بتخريب قريتين من وادي التيم وهم مشعرا وتلبناثا وسبب ذلك أنهما عاصيان وأهلهما مفسدان في الارض والبلدان والأرض حصينان لا يصل إليهما إلا بكلفة كثيرة لا يرتقي إليهما إلا فارس فارس فخربتا وعمر بدلهما في أسفل الوادي بحث يصل اليهما حكم الحاكم والطلب بسهولة فأخبرني الملك صلاح الدين ابن الكالم أن بلدة تلبتاثا عمل فيها ألف فارس ونقل نقضها إلى أسفل الوادي خمسمائة حمار عدة أيام
وفي يوم الجمعة سادس صفر بعد الصلاة صلى على قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين احمد بن اقضى القضاة بن الحسين المزي الحنفي وكانت وفاته ليلة الجمعة المذكورة بعد مرض قريب من شهر وقد جاوز الاربعين بثلاث من السنين ولي قضاء قضاة الحنفية وخطب بجامع يلبغا وأحضر مشيخة النفيسية ودرس بأماكن من مدارس الحنفية وهو أول من خطب بالجامع المستجد داخل باب كيسان بحضرة نائب السلطنة
وفي صفر كانت وفاة الشيخ جمال الدين عمر بن القضاي عبدا لحي بن إدريس الحنبلي محتسب بغداد وقاضي الحنابلة بها فتعصبت عليه الروافض حتى ضرب بين يدي الوزارة ضربا مبرحا كانت سبب موته سريعا رحمه الله وكان من القائمين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أكبر المنكرين على الروافض وغيرهم من أهل البدع رحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وفي يوم الاربعاء تاسع صفر حضر مشيخة النفيسية الشيخ شمس الديب بن سند وحضر عنده قاضي القضاة تاج الدين وجماعة من الأعيان وأورد حديث عبادة بن الصامت لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أسنده عن قاضي القضاة المشار إليه
وجاء البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تاج الدين إلى هناك فسير أهله قبله على الجمال وخرجوا يوم الجمعة حادي عشر ربيع الاول جماعة من أهل بيتهم لزيارة أهاليهم هناك فاقام هو بعدهم إلى أن قدم نائب السلطنة من الرحبة وركب على البريد وفي يوم الاثنين خامس عشر جمادي الاخرة رجع قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على البريد وتلقاه الناس إلى أثناء الطريق واحتفلوا للسلام عليه وتهنئته بالسلامة انتهى والله اعلم