سفر نائب السلطنة إلى الديار المصرية
 
لما كانت ليلة الحادي والعشرين قدم طشتمر دويدار يلبغا على البريد فنزل بدار السعادة ثم ركب هو ونائب السلطنة بعد العشاء الاخيرة في المشاعل والحجبة بين أيديهما والخلائق بدعون لنائبهم واستمروا كذلك ذاهبين إلى الديار المصرية فأكرمه يلبغا وأنعم عليه وسأله أن يكون ببلاد حلب فأجابه إلى ذلك وعاد فنزل بدار سنجر الاسماعيلي وارتحل منها إلى حلب وقد اجتمعت به هنالك وتأسف الناس عليه وناب في الغيبة الامير سيف الدين زبالة إى ان قدم النائب المعز السيفي قشتمر عبدالغني على ما سيأتي وتوفي القاضي شمس الدين بن منصور الحنفي الذي كان نائب الحكم رحمه الله يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ودفن بالباب الصغير وقد قارب الثمانين
وفي هذا اليوم او الذي بعده توفي القاضي شهاب الدين أحمد ابن الوزوازة ناظر الاوقاف بالصالحية وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث صفر نودي في البلد أن لا يتخلف احد من أجناد الحلقة عن السفر إلى بيروت فاجتمع الناس لذلك فبادر الناس والجيش ملبسين إلى سطح المزة وخرج ملك الامراء أمير على كان نائب الشام من داره داخل باب الجابية في جماعته ملبسين في هيئة حسن وتجمل هائل وولده الامير ناصر الدين محمد وطلبه معه وقد جاء نائب الغيبة والحجبة إلى بين يديه إلى وطاقه وشارووه في الامر فقال ليس لي ها هنا أمر ولكن إذا حضر الحرب والقتال فلى هناك أمر وخرج خلق من الناس متبرعين وخطب قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالناس يوم الجمعة على العادة وحرض الناس على الجهاد وقد ألبس جماعة من غلمانه اللأمة والخوذ وهو على عزم المسير مع الناس إلى بيروت ولله الحمد والمنة ولما كان من آخر النهار رجع الناس إلى منازلهم وقد ورد الخبر بأن المراكب التي رؤيت في البحر إنما هي مراكب تجار لا مراكب قتال فطابت قلوب الناس ولكن ظهر منهم استعداد عظيم ولله الحمد
وفي ليلة الاحد خامس صفر قدم بالأمير سيف الدين شرشي الذي كان إلى آخر وقت نائب حلب محتاطا عليه بعدالعشاء الآخرة إلى دار السعادة بدمشق فسير معزولا عن حلب إلى طرابلس بطالا وبعث في سرجين صحبة الأمير علاء الدين بن صبح
وبلغنا وفاة الشيخ جمال الدين بن نابتة حامل لواء شعراء زمانه بديار مصر بمرستان الملك المنصور قلاوون وذلك يوم الثلاثاء سابع صفر من هذه السنة رحمه الله تعالى وفي ليلة ثامنه هرب أهل حبس السد من سجنهم وخرج أكثرهم فأرسل الولاة صبيحة يومئذ في اثرهم فمسك كثير ممن هرب فضربوهم أشد الضرب وردوهم إلى شر المنقلب
وفي يوم الأربعاء خامس عشره نودي بالبلدان أن لا يعامل الفرنج بالبنادقة والحبوبة والكيتلان واجتمعت في آخر هذا اليوم بالأمير زين الدين زبالة نائب الغيبة النازل بدار الذهب فأخبرني أن البريدي أخبره أن صاحب قبرص رأى في النجوم أن قبرص مأخذوة فجهز مركبين من الاسرى الذي عنده من المسلمين إلى يلبغا ونادى في بلاده أن من كتم مسلما صغيرا أو كبيرا قتل وكان من عزمه أن لا لايبقى أحدا من الاسارى إلا أرسله
وفي آخر نهار الاربعاء خامس عشرة قدم من الديار المصرية قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي الذي كان قاضي المالكية فعزل في أواخر رمضان من العام الماضي فحج ثم قصد الديار المصرية فدخلها لعله يستغيث فلم يصادفه قبول فادعى عليه بعض الحجاب وحصل له ما يسوءه ثم خرج إلى الشام فجاء فنزل في التربة الكاملية شمالي الجامع ثم انتقل إلى منزل ابنته متمرضا والطلابات والدعاوي والمصالحات عنه كثيرة جدا فأحسن الله عاقبته
وفي يوم الاحد بعد العصر دخل الامير سيف الدين طيبغا الطويل من القدس الشريف إلى دمشق فنزل بالقصر الابلق ورحل بعد يومين أو ثلاثة إلى نيابة حماة حرسها الله بتقليد من الديار المصرية وجاءت الاخبار بتولية الامير سيف الدين منكلي بغا نيابة حلب عوضا عن نيابة دمشق وأنه حصل له من التشريف والتكريم والتشاريف بديار مصر شيء كثير ومال جزيل وخيول وأقمشة وتحف يشق حصرها وأنه قد استقر بدمشق الامير سيف الدين اقشتمر عبد الغني الذي كان حاجب الحجاب بمصر وعوض عنه في الحجوبية الامير علاء الدين طبغا أستاذ دار يلبغا وخلع على الثلاثة في يوم واحد وفي يوم الاحد حادي عشر ربيع الاول اشتهر في البلد قضية الفرنج أيضا بمدينة الاسكندرية وقدم بريدي من الديار المصرية بذلك واحتيط على من كان بدمشق من الفرنج وسجنوا بالقلعة وأخذت حواصلهم وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يومئذ أن أصل ذلك أن سبعة مراكب من التجار من البنادقة من الفرنج قدموا إلى الاسكندرية فباعوا بها واشتروا وبلغ الخبر إلى الامير الكبير يلبغا أن مركبا من هذه السبعة إلى صاحب قبرص فأرسل إلى الفرنج يقول لهم أن يسلموا هذه المركب فامتنعوا من ذلك وبادروا إلىمراكبهم فأرسل في آثارهم ستة وشواني مشحونة بالمقاتلة فالتقوا هم والفرنج في البحر فقتل من الفريقين خلق ولكن من الفرنج أكثر وهربوا فارين بما معهم من البضائع فجاء الامير على الذي كان نائب دمشق أيضا في جيش مبارك ومعه ولده ومماليكه في تجمل هائل فرجع الامير علي واستمر نائب السلطة حتى وقف على بيروت ونظر في امرها وعاد سريعا وقد بلغني ان الفرنج جاؤا طرابلس غزاة وأخذوا مركبا للمسلمين من المينا وحرقوه والناس ينظرون ولا يستطيعون دفعهم ولا منعهم وأن الفرنج كروا راجعين وقد اسروا ثلاثة من المسلمين فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى والله أعلم