في بيان كيفية اختلاف الامة وتحصيل عدد فرقها الثلاث والسبعين
 
كان المسلمون عند وفاة رسول الله على منهاج واحد في اصول الدين وفروعه غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا.
وأول خلاف وقع منهم اختلافهم في موت النبي عليه السلام فزعم قوم منهم أنه لم يمت وإنما أراد الله تعالى رفعه اليه كما رفع عيسى بن مريم اليه وزال هذا الخلاف وأقر الجميع بموته حين تلا عليهم أبو بكر الصديق قول الله لرسوله عليه السلام {إنك ميت وإنهم ميتون} وقال لهم من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد رب محمد فانه حي لا يموت.
ثم اختلفوا بعد ذلك في موضع دفن النبي فأراد أهل مكة رده الى مكة لانها مولده ومبعثه وقبلته وموضع نسله وبها قبر جده إسماعيل عليه السلام وأراد أهل المدينة دفنه بها لأنها دار هجرته ودار أنصاره وقال آخرون بنقله الى أرض القدس ودفنه ببيت المقدس عند قبر جده إبراهيم الخليل عليه السلام وزال هذا الخلاف بأن روى لهم أبو بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون} فدفنوه في حجرته بالمدينة.
ثم اختلفوا بعد ذلك في الامامة وأذعنت الانصار الى البيعة لسعد بن عبادة الخزرجي وقالت قريش ان الإمامة لا تكون الا في قريش ثم أذعنت الانصار لقريش لما روى لهم قول النبي الأئمة من قريش وهذا الخلاف باق الى اليوم لان ضرارا او الخوارج قالوا بجواز الإمامة في غير قريش.
ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن فدك وفى توريث التركات عن الانبياء عليهم السلام ثم نفذ في ذلك قضاء ابي بكر بروايته عن النبي عليه الصلاة والسلام {ان الانبياء لا يورثون}.
ثم اختلفوا بعد ذلك في ما نعى وجوب الزكاة ثم اتفقوا على رأي أبي بكر في وجوب قتالهم.
ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال طليحة حين تبنى وارتد حتى انهزم الى الشام ثم رجع في أيام عمر الى الاسلام وشهد مع سعد بن أبي وقاص حرب القادسية وشهد بعد ذلك حرب نهاوند وقتل بها شهيدا.
ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال مسيلمة الكذاب الى أن كفى الله تعالى امره وأمر سجاح المتنبية وأمر الاسود بن زيد العنسى.
ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتل سائر المرتدين الى أن كفى الله تعالى أمرهم.
ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال الروم والعجم وفتح الله تعالى لهم الفتوح وهم في اثناء ذلك كله على كلمة واحدة في أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد وفى سائر اصول الدين وانما كانوا يختلفون في فروع الفقه كميراث الجد مع الاخوة والأخوات مع الأب والأم او مع الأب وكمسائل العدل والكلالة والرد وتعصيب الأخوات من الأب والأم او من الأب مع البنت او بنت الابن وكاختلافهم في جر الولا وفى مسئلة الحرام ونحوها مما لم يورث اختلافهم فيه تضليلا ولا تفسيقا وكانوا على هذه الجملة في ايام أبي بكر وعمر وست سنين من خلافة عثمان.
ثم اختلفوا بعد ذلك في أمر عثمان لأشياء نقموها منه حتى أقدم لاجلها ظالموه على قتله.
ثم اختلفوا بعد قتله في قاتليه وخاذليه اختلافا باقيا الى يومنا هذا.
ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن على واصحاب الجمل وفي شأن معاوية واهل صفين وفي حكم الحكمين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص اختلافا باقيا الى اليوم.
ثم حدث في زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية فى القدر والاستطاعة من معبد الجهنى وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله ابن ابى اوفى وعقبة بن عامر الجهني وأقرانهم واوصوا اخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلوا على جنائزهم ولا يعودوا مرضاهم.
ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها فصارت مقدار عشرين فرقة كل واحدة تكفر سائرها.
ثم حدث في ايام الحسن البصري خلاف واصل بن عطا الغزال في القدر وفى المنزلة بين المنزلتين وانضم اليه عمرو بن عبيد بن باب في بدعته فطردهما الحسن عن مجلسه فاعتزلا عن سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لهما ولاتباعهما معتزلة لاعتزالهم قول الامة في دعواها ان الفاسق من امة الإسلام لا مؤمن ولا كافر.
واما الروافض فان السبابية منهم اظهروا بدعتهم في زمان على رضي الله عنه فقال بعضهم لعلى انت الامة فاحرق علي قوما منهم ونفى ابن سبأ الى ساباط المدائن وهذه الفرقة ليست من فرق امة الاسلام لتسميتهم عليا الها.
ثم افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه اربعة اصناف زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة وافترقت الزيدية فرقا والامامية فرقا والغلاة فرقا كل فرقة منها تكفر سائرها وجميع فرق الغلاة منهم خارجون عن فرق الإسلام. فاما فرق الزيدية وفرق الامامية فمعدودون في فرق الامة.
وافترقت النجارية بناحية الري بعد الزعفراني فرقا يكفر بعضها بعضا.
وظهر خلاف البكرية من بكر من اخت عبد الواحد بن زياد وخلاف الضرارية من ضرار بن عمرو وخلاف الجهمية من جهم بن صفوان وكان ظهور جهم وبكر وضرار في ايام ظهور واصل بن عطا في ضلالته.
وظهرت دعوة الباطنية في ايام المأمون من حمران قومط ومن عبد الله بن ميمون القداح وليست الباطنية من فرق ملة الاسلام بل هي من فرق المجوس على ما نبينه بعد هذا وظهروا في ايام محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان خلاف الكرامية المجسمة.
فاما الزيدية من الرافضة فمطمعها ثلاث فرق وهى الجارودية والسليمانية وقد يقال الحريرية ايضا والبترية وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب في ايام خروجه وكان ذلك في زمان هشام بن عبد الملك.
والكيسانية منهم فرق كثيرة ترجع عن التحصيل الى فرقتين إحداهما تزعم ان محمد بن الحنفية هي لم يمت وهم على انتظاره ويزعمون انه المهدى المنتظر والفرقة الثانية منهم مقرون باماميته في وقته وبموته وينقلون الإمامة بعد موته الى غيره ويختلفون بعد ذلك في المنقول اليه.
واما الامامية المفارقة للزيدية والكسائية والغلاة فانها خمس عشرة فرقة وهن المحمدية والباقرية والناوسية والشميطية والعمارية والاسماعيلية والمباركية والموسوية والقطعية والاثنى عشرية والهشامية من اتباع هشام بن الحكم او من اتباع هشام بن سالم الجواليقى والزرارية من اتباع زرارة بن أعين واليونسية من اتباع يونس القمى والشيطانية من اتباع شيطان الطاق والكاملية من اتباع أبي كامل وهو أفحشهم قولا فى على وفى سائر الصحابة رضى الله عنهم.
فهذه عشرون فرقة من فرق الروافض منها ثلاث زيدية وفرقتان من الكيسانية وخمس عشرة فرقة من الإمامية.
فاما غلاتهم الذين قالوا بإلهية الائمة واباحوا محرمات الشريعة واسقطوا وجوب فرائض الشريعة كالبيانية والمغيرية والجناحية والمنصورية والخطابية والحلولية ومن جرى مجراهم فما هم من فرق الاسلام وان كانوا منتسبين اليه وسنذكرها في باب مفرد بعد هذا الباب.
وأما الخوارج فانها لما اختلفت صارت عشرين فرقة وهذه أسماؤها المحكمة الاولى والازارقة ثم النجدات ثم الصفرية ثم العجاردة.
وقد افترقت العجاردة فيما بينها فرقا كثيرة منها الخازمية والشعيبية والمعلومية والمجهولية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والحمزية والابراهيمية والواقفة.
وافترقت الأباضية منها فرقا حفصية وحارثية ويزيدية واصحاب طاعة لا يراد الله بها.
واليزيدية منهم اتباع ابن يزيد بن أنيس ليست من فرق الاسلام لقولها بان شريعة الاسلام تنسخ في آخر الزمان بنبى يبعث من العجم.
وكذلك في جملة العجاردة فرقة يقال لها الميمونية ليست من فرق الاسلام لانها أباحت نكاح بنات البنات وبنات البنين كما أباحته المجوس وسنذكر اليزيدية والميمونية في جملة الذين انتسبوا الى الاسلام وما هم منهم ولا من فرقهم.
واما القدرية المعتزلة عن الحق فقد افترقت عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها وهذه اسماء فرقها واصلية وعمرية والهذيلية والنظامية والاموارية والعمرية والثمامية والجاحظية والحايطية والحمارية والخياطية والسحامية واصحاب صالح قبة والمويسية والكعبية والجبائية والبهشيمية المنسوبة الى أبي هاشم ابن الجبائى فهي ثنتان وعشرون فرقة ثنتان منها ليستا من فرق الاسلام وهما الحايطية والحمارية وسنذكرهما في الفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منها.
وأما المرجئة فثلاثة اصناف:
صنف منهم قالوا بالإرجاء في الايمان وبالقدر على مذاهب القدرية فهم معدودون في القدرية والمرجئة كأبي شمر المرجىء ومحمد بن شبيب البصرى والخالدى.
وصنف منهم قالوا بالإرجاء في الايمان ومالوا الى قول جهم في الاعمال والاكساب فهم من جملة الجهمية والمرجئة.
وصنف منهم خالصة في الإرجاء من غير قدروهم خمس فرق يونسية وغسانية وثوبانية وتومنية ومريسية.
وأما النجارية فانها اليوم بالري اكثر من عشر فرق ومرجعها في الأصل الى ثلاث فرق برغونية زغفرانية ومستدركة.
وأما البكرية والضرارية فكل واحدة منها فرقة واحدة ليس لها تبع كثير والجهمية ايضا فرقة واحدة.
والكرامية بخراسان ثلاث فرق حقاقية وطرايقية واسحافية لكن هذه الغرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضا فعددناها كلها فرقة واحدة.
فهذه الجملة التي ذكرناها تشتمل على ثنتين وسبعين فرقة منها عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وعشر مرجئة وثلاث نجارية وبكرية وضرارية وجهمية وكرامية فهذه ثنتان وسبعون فرقة.
فاما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقى الرأي والحديث دون من يشترى لهو الحديث وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل الحديث منهم كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته وعدله وحكمته وفي اسمائه وصفاته وفى ابواب النبوة والإمامة وفى احكام العقبى وفى سائر اصول الدين وانما يختلفون في الحلال والحرام من فروع الاحكام وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية ويجمعها الاقرار بتوحيد الصانع وقدمه وقدم صفاته الأزلية واجازة رؤيته من غير تشبيه ولا تعطيل مع الاقرار بكتب الله ورسله وبتأييد شريعة الاسلام واباحة ما أباحه القرآن وتحريم ما حرمه القرآن مع قيود ما صح من سنة رسول الله واعتقاد الحشر والنشر وسؤال الملكين في القبر والاقرار بالحوض والميزان.
فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط ايمانه بها بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية وسائر اهل الاهواء فهو من جملة الفرقة الناجية ان ختم الله له بها وقد دخل في هذه الجملة جمهور الامة وسوادها الأعظم من اصحاب مالك والشافعي وأبى حنيفة والأوزاعى والثورى وأهل الظاهر.
فهذا بيان ما اردنا بيانه في هذا الباب ونذكر في الباب الذي يليه تفصيل مقالة كل فرقة من فرق الاهواء الذين ذكرناهم ان شاء الله عز وجل.