ذكرالكيسانية من الرافضة
 
هؤلاء اتباع المختار بن ابى عبيد الثقفى الذي قام بثأر الحسين بن على بن ابي طالب وقتل اكثر الذين قتلوا حسينا بكربلاء وكان المختار ويقال له كيسان وقيل أنه أخذ مقالته عن مولى لعلى رضي الله عنه كان اسمه كيسان.
وافترقت الكيسابية فرقا يجمعها شيئان:
أحدهما قولهم بإمامة محمد ابن الحنفية وإليه كان يدعو المختار بن ابى عبيد.
والثاني قولهم بجواز البدء على الله عز وجل ولهذه البدعه قال بتكفيرهم كل من لا يجيز البدء على الله سبحانه.
واختلفت الكيسانية في سبب إمامة محمد ابن الحنفية فزعم بعضهم أنه كان إماما بعد أبيه على بن أبى طالب رضى الله عنه واستدل على ذلك بان عليا دفع إليه الراية يوم الجمل وقال له:
اطعَنْهُم طعن ابيك تحمد >< لا خير في الحرب اذا لم تزبد
وقال آخرون منهم: إن الامامة بعد على كانت لابنه الحسن ثم للحسين بعد الحسن ثم صارت الى محمد بن الحنفية بعد اخيه الحسين بوصية اخيه الحسين اليه حين هرب من المدينة الى مكة حين طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية.
ثم افترق الذين قالوا بإمامة محمد ابن الحنفية.
فزعم قوم منهم يقال لهم الكربية اصحاب ابى كرب الضرير ان محمد بن الحنفية حى لم يمت وانه في جبل رضوى وعنده عين من الماء وعين من العسل يأخذ منهما رزقه وعن يمينه أسد وعن يساره نمر يحفظانه من أعدائه الى وقت خروجه وهو المهدى المنتظر.
وذهب الباقون من الكيسانية الى الاقرار بموت محمد بن الحنفية واختلفوا في الامام بعده فمنهم من زعم أن الامامة بعده رجعت الى ابن اخيه على بن الحسين زين العابدين ومنهم من قال برجوعها بعده الى ابى هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية.
واختلف هؤلاء في الامام بعد ابى هاشم فمنهم من نقلها الى أبي محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بوصية ابى هاشم اليه وهذا قول الروندية ومنهم من زعم أن الامامة بعد أبي هاشم صارت الى بيان بن سمعان وزعموا أن روح الله تعالى كانت في ابى هاشم ثم انتقلت منه الى بيان ومنهم من زعم ان تلك الروح انتقلت من ابي هاشم الى عبد الله بن عمرو بن حرب وادعت هذه الفرقة إلهية عبد الله بن عمرو بن حرب.
والبيانية والحربية كلتاهما من فرق الغلاة نذكرهما في الباب الذي نذكر فيه فرق الغلاة وكان كثير الشاعر على مذهب الكيسانية الذين ادعوا حياة محمد بن الحنفية ولم يصدقوا بموته ولذا قال في قصيدة له:
ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواء
على والثلاثة من بنيه هم الاسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط ايمان وبر وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زمانا برضوى عنده عسل وماء
قال عبد القاهر أجبناه عن أبياته هذه بقولنا:
ولاة الحق أربعة ولكن لثاني اثنين قد سبق العلاء
وفاروق الورى أضحى إماما وذو النونين بعد له الولاء
على بعدهم أضحى إماما بترتيبي لهم نزل القضاء
ومبغض من ذكرناه لعين وفى نار الجحيم له الجزاء
وأهل الرفض قوم كالنصارى حيار بي ما لحيرتهم دواء

وقال كثير أيضا في رفضه:
برئت الى الإله من ابن أروى ومن دين الخوارج أجمعينا
ومن عمر برئت ومن عتيق غداة دعى أمير المؤمنينا
وقد أجبناه عن هذين البيتين:
برئت من الإله ببغض قوم بهم أحيا الإله المؤمنينا
وما ضر ابن أروى منك بغض وبغض البر دين الكافرينا
ابو بكر به جدلى إمام على زعم الروافض اجمعينا
وفاروق الورى عمر بحق يقال له أمير المؤمنينا

وقال كثير في قصيدة أيضا:
ألا قل للوصى فدتك نفسي أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر والوك منا وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك اهل الأرض طرا مقامك عندهم ستين عاما
وما ذاق بن خولة طعم موت ولا وارت له ارض عظاما
لقد أمسى بمجرى شعب رضوى تراجعه الملائكة الكلاما
وإن له لرزقا من إماما وأشربة يعل بها الطعاما
وقد أجبناه عن هذا الشعر بقولنا:
لقد أفنيت عمرك بانتظار لمن وارى التراب له عظاما
فليس بشعب رضواء إمام تراجعه الملائكة الكلاما
ولا من عنده عسل وماء وأشربة يعل بها الطعاما
وقد ذاق ابن خولة طعم موت كما قد ذاق والده الحماما
ولو خلد أمرؤ لعلو مجد لعاش المصطفى ابدا وداما
وكان الشاعر المعروف بالسيد الحميرى ايضا على مذهب الكيسانية الذين ينتظرون محمد بن الحنفية ويزعمون أنه محبوس بجبل رضوى الى أن يؤذن له بالخروج ولهذا قال في شعر له:
ولكن كل من فى الأرض فان بذا حكم الذى خلق الإماما
وكان أول من قام بدعوة الكيسائية الى إمامة محمد بن الحنفية المختار بن أبي عبيد الثقفى وكان السبب في ذلك أن عبيد الله بن زياد لما فرغ من قتل مسلم بن عقيل وفرغ من قتل الحسين بن على رضى الله عنه رفع اليه ان المختار بن أبي عبيد كان ممن خرج مع مسلم بن عقيل ثم اختفى فأمر باحضاره فلما دخل عليه رماه بعمود كان في يده فشتر عينه وحبسه فتشفع اليه في امره قوم فأخرجه من الحبس وقال له قد أجلتك ثلاثة أيام فان خرجت فيها من الكوفة والا ضربت عنقك فخرج المختار هاربا من الكوفة الى مكة وبايع عبد الله بن الزبير وبقى معه الى ان قاتل بن الزبير جند يزيد بن معاوية الذين كانوا تحت راية الحصين بن نمير السكوتى واشتدت نكاية المختار في تلك الحروب على اهل الشام ثم مات يزيد بن معاوية ورجع جند الشام الى الشام واستقام لابن الزبير ولاية الحجاز واليمن والعراق وفارس ولقى المختار من ابن الزبير جفوة فهرب منه الى الكوفة وواليها يومئذ عبد الله بن يزيد الانصارى من قبل عبد الله بن الزبير فلما دخل الكوفة بعث رسله الى شيعة الكوفة ونواحيها الى المدائن ودعاهم الى البيعة له ووعدهم انه يخرج طالبا بثأر الحسين بن على رضى الله عنه ودعاهم الى محمد بن الحنفية وزعم ان ابن الحنفية قد استخلفه وأنه قد أمرهم بطاعته وعزل ابن الزبير في خلال ذلك عبد الله بن يزيد الانصارى عن الكوفة وولاها عبد الله بن مطيع العدوي واجتمع الى المختار من بايعه في السر وكانوا زهاء سبعة عشر الف رجل ودخل في بيعته عبيد الله بن الحر الذي لم يكن في زمانه أشجع منه وابراهيم بن ملك الاشتر ولم يكن في شيعة الكوفة أجمل منه ولا أكثر منه تبعا فخرج به على والى الكوفة عبد الله بن مبطع وهو يؤمئذ في عشرين الف ودامت الحرب بينهما اياما ووقعت الهزيمة في آخرها على الزيدية واستولى المختار على الكوفة ونواحيها وقتل كل من كان بالكوفة من الذين قاتلوا الحسين بن على بكربلاء ثم خطب الناس فقال في خطبته :
الحمد لله الذى وعد وليه النصر وعدوه الخسر وجعلهما فيهما الى آخر الدهر قضاء مقضيا ووعدا مأتيا يا أيها الناس قد سمعنا دعوة الداعي وقبلنا قول الداعي فكم من باغ وباغية وقتلى في الواعيه فهلموا عباد الله الى بيعه الهدى ومجاهدة العدى فانى انا المسلط على المحلين والطالب بثأر ابن بنت خاتم النبيين.
ثم نزل عن منبره وانغذ بصاحب شرطته الى دار عمر بن سعد حتى أخذ رأسه ثم أخذ رأس ابنه جعفر بن عمر وهو ابن أخت المختار وقال ذاك برأس الحسين وهذا برأس ابن الحسين الكبير ثم بعث بإبراهيم بن ملك الاشتر مع ستة آلاف رجل الى حرب عبيد الله بن زياد وهو يومئذ بالموصل في ثمانين الف من جند الشام قد ولاه عليهم عبد الملك بن مروان فلما التقى الجيشان على باب الموصل انهزم جند الشام وقتل منهم سبعون الف في المعركة وقتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوتى وانفذ ابراهيم بن الاشتر برؤوسهم الى المختار فلما تمت للمختار ولاية الكوفة والجزيرة والماهين الى حدود ارمينية تكهن بعد ذلك وسجع كأسجاع الكهنة وحكى ايضا انه ادعى نزول الوحى عليه.
فمن اسجاعه قوله اما والذي أنزل القرآن وبين الفرقان وشرع الاديان وكره العصيان لاقتلن النعاة من أزد عمان ومذحج وهمذان ونهد وخولان وبكر وهزان وثعل ونبهان وعبس وذبيان وقيس وعيلان.
ثم قال وحق السميع العليم العلى العظيم العزيز الحكيم الرحمن الرحيم لاعركن عرك الاديم أشراف بنى تميم.
ثم رفع خبر المختار الى ابن الحنفية وخاف من جهة الفتنة في الدين فأراد قدوم العراق ليصير اليه الذين اعتقدوا إمامته وسمع المختار ذلك فخاف من قدومه العراق ذهاب رياسته وولايته فقال لجنده انا على بيعة المهدى ولكن للمهدى علامة وهو أن يضرب بالسيف ضربة فان لم يقطع السيف جلده فهو المهدى وانتهى قوله هذا الى ابن الحنفية فأقام بمكة خوفا من ان يقتله المختار بالكوفة.
ثم ان المختار خدعته السبابية الغلاة من الرافضة فقالوا له انت حجة هذا الزمان وحملوه على دعوى النبوة فادعاها عند خواصه وزعم أن الوحى ينزل عليه وسجع بعد ذلك فقال أما وتمشى السحاب الشديد العقاب السريع الحساب الغزير الوهاب القدير الغلاب لانبشن قبر ابن شهاب المفترى الكذاب المجرم المرتاب ثم ورب العالمين ورب البلد الامين لأقتلن الشاعر المهين وراجز المارقين واولياء الكافرين وأعوان الظالمين وإخوان الشياطين الذين اجتمعوا على الاباطيل وتقولوا على الاقاويل الاخطوبى لذوى الاخلاق الحميدة والافعال الشديدة والاراء العتيدة والنفوس السعيدة.
ثم خطب بعد ذلك فقال في خطبته الحمد لله الذي جعلني بصيرا ونور قلبي تنويرا والله لاحرقن بالمصر دورا ولانبشن بها قبورا ولأشفين منها صدورا وكفى بالله هاديا ونصيرا.
ثم أقسم فقال برب الحرم والبيت المحرم والركن المكرم والمسجد المعظم وحق ذي القلم ليرفعن لي علم من هنا الى أضم ثم الى اكناف ذي سلم.
ثم قال اما ورب السماء لينزلن نار من السماء فليحرقن دار أسماء فأنهى هذا القول الى أسماء بن خارجة فقال قد سجع بي أبو إسحاق وأنه سيحرق داري وهرب من داره وبعث المختار الى داره من أحرقها بالليل وأظهر من عنده ان نارا من السماء نزلت فاحرقها.
ثم إن اهل الكوفة خرجوا على المختار لما تكهن واجتمعت السبابية اليه مع عبيد اهل الكوفة لانه وعدهم أن يعطيهم أموال ساداتهم وقاتل بهم الخارجين عليه فظفر بهم وقتل منهم الكثير وأسر جماعة منهم وكان في الأسراء رجل يقال له سراقة بن مرداس البارقى فقدم الى المختار وخاف البارقى أن يأمر بقتله فقال للذين أسروه وقدموه الى المختار ما أنتم أسرتمونا ولا أنتم هزمتمونا بعدتكم وانما هزمنا الملائكة الذين رأيناهم على الخيل البلق فوق عسكركم فأعجب المختار قوله هذا فاطلق عنه فلحق مصعب بن الزبير بالبصرة وكتب منها الى المختار هذه الابيات:
ألا أبلغ أبا إسحق أنى رأيت البلق دهما مصمتات
أرى عينى ما لم تنظراه كلانا عالم بالترهات
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا على قتالكم حتى الممات
وفى هذا الذي ذكرناه بيان سبب كهانة المختار ودعواه الوحى اليه.
واما سبب قوله بجواز البدء على الله عز وجل فهو أن ابراهيم بن الأشتر لما بلغه أن المختار تكهن وادعى نزول الوحي اليه قعد عن نصرته واستولى لنفسه على بلاد الجزيرة وعلم مصعب ابن الزبير ان ابراهيم بن الاشتر لا ينصر المختار فطمع عند ذلك في قهر المختار ولحق به عبيد الله بن الحر الجعفى ومحمد بن الاشعث الكندي واكثر سادات الكوفة غيظا منهم على المختار لاستيلائه على اموالهم وعبيدهم واطمعوا مصعبا في أخذ الكوفة قهرا فخرج مصعب من البصرة في سبعة آلاف رجل من عنده سوى من انضم اليه من سادات الكوفة وجعل على مقدمته المهلب بن ابى صفرة مع اتباعه من الأزد وجعل أعنة الخيل الى عبيد الله بن معمر التيمى وجعل الأحنف بن قيس على خيل تميم فلما انتهى خبرهم الى المختار اخرج صاحبه احمد ابن شميط الى قتال مصعب في ثلاثة آلاف رجل من نخبة عسكره وأخبرهم بان الظفر يكون لهم وزعم أن الوحى قد نزل عليه بذلك فالتقى الجيشان بالمدائن وانهزم اصحاب المختار وقتل اميرهم ابن شميط واكثر قواد المختار ورجع فلولهم الى المختار وقالوا له لم تعدنا بالنصر على عدونا فقال ان الله تعالى كان قد وعدني ذلك لكنه بدا له واستدل على الله بقول الله عز وجل {يمحو الله ما يشاء ويثبت}. فهذا كان سبب قول الكيسانية بالبداء.
ثم ان المختار باشر قتال مصعب بن الزبير بنفسه بالمذار من ناحية الكوفة وقتل في تلك الواقعة محمد بن الأشعث الكندي قال المختار طابت نفسي بقتله ان لم يكن قد بقى من قتلة الحسين غيره ولا ابالى بالموت بعد هذا ثم وقعت الهزيمة على المختار واصحابه فانهزموا الى دار الامامة بالكوفة وتحصن فيها مع اربعمائة من اتباعه وحاصرهم مصعب فيها ثلاثة ايام حتى فنى طعامهم ثم خرجوا اليه في اليوم الرابع مستقتلين فقتلوا وقتل المختار معهم قتله أخوان يقال لهما طارف وطريف ابنا عبد الله بن دجاجة من بنى حنيفة وقال أعشى همدان في ذلك:
لقد نبئت والأنباء تنمي بما لآقى الكوارث بالمذار
وما إن سرنى اهلاك قومي وان كانوا وحقك في خسار
ولكنى سررت بما يلاقى أبو إسحق من خزى وعار
فهذا بيان سبب قول الكيسانية بجواز البدء على الله عز وجل.
واختلفت الكيسانية الذين انتظروا محمد بن الحنفية وزعموا انه حى محبوس بجبل رضوى الى ان يؤذن له بالخروج واختلفوا في سبب حبسه هنالك بزعمهم.
فمنهم من قال لله في امره سر لا يعلمه الا هو ولا يعرف سبب حبسه.
ومنهم من قال إن الله تعالى عاقبة بالحبس لخروجه بعد قتل الحسين بن على الى يزيد ابن معاوية وطلبه الأمان منه وأخذه عطاء ثم لخروجه في وجه ابن الزبير من مكة الى عبد الملك بن مروان هاربا من ابن الزبير وزعموا ان صاحبه عامر بن واثلة الكناني سار بين يديه وقال في ذلك المسير لأتباعه:
يا إخواني يا شيعتى لا تبعدوا >< ووازروا المهدى كيما تهتدوا
محمد الخيرات يا محمد >< انت الإمام الطاهر المسدد
لا ابن الزبير السامرى الملحد >< ولا الذي نحن اليه نقصد
وقالوا: انه كان يجب عليه ان يقاتل ابن الزبير ولا يهرب فعصى ربه بتركه قتاله وعصاه بقصده عبدالملك بن مروان وكان قد عصاه قبل ذلك بقصده يزيد بن معاوية ثم إنه رجع من طريقه الى ابن مروان الى الطائف ومات بها ابن عباس ودفنه ابن الحنفية بالطائف ثم سار منها الى الذر فلما بلغ شعب رضوى اختلفوا فيه فزعم المقرون بموته انه مات فيه وزعم المنتظرون له أن الله حبسه هنالك وغيبه عن عيون الناس عقوبة له على الذنوب التى أضافوها اليه الى أن يؤذن له بالخروج وهو المهدى المنتظر

الموضوع السابق


ذكرالبترية منهم