الفصل الثاني من فصول هذا الباب في بيان مقالات فرق الخوارج
 
قد ذكرنا قبل هذا أن الخوارج عشرون فرقة وهذه أسماؤها المحكمة الاولى الأزارقة والنجدات والصفرية ثم العجاردة المفترقة فرقا منها الخازمية والشعيبية والمعلومية والمجهولية وأصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها والصلتية والاخنسية والشيبية والشيبانية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والخمرية والشمراخية والابراهيمية والوافقة والاباضية منهم افترقت فرقا معظمها فريقان حفصية وحادثية فأما اليزيدية من الأباضية والميمونية من العجاردة فانها فرقتنا من غلاة الكفرة الخارجين عن فرق الامة وسنذكرهما في باب ذكر فرق الغلاة بعد هذا ان شاء الله عز وجل.
وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها فذكر الكعبى في مقالاته أن الذى يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار على وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضى بتحكيم الحكمين والإكفار بارتكاب الذنوب ووجوب الخروج على الإمام الجائر.
وقال شيخنا أبو الحسن الذى يجمعها إكفار على وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضى بالتحكيم وصوب الحكمين او أحدهما ووجوب الخروج على السلطان الجائر ولم يرض ما حكاه الكعبى من إجماعهم على تكفير مرتكبى الذنوب الصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبى في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبى الذنوب منهم وذلك ان النجدات من الخوراج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقتهم.
وقد قال قوم من الخوارج ان التكفير انما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص فاما الذى فيه حد او عيد في القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الذى ورد فيه مثل تسميته زانيا وسارقا ونحو ذلك.
وقد قالت النجدات إن صاحب الكبيرة من موافقتهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين.
وفى هذا بيان خطإ الكعبى في حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم.
وإنما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا الحسن رحمه الله من تكفيرهم عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوبهما او صوب احدهما أو رضى بالتحكيم ونذكر الآن تفصيل كل فرقة منهم إن شاء الله عز وجل.

ذكر المحكمة الأولى منهم: يقال للخوارج محكمة وشراة.
واختلفوا في اول من تشرى منهم فقيل عروة بن حدير أخو مرادس الخارجى وقيل اولهم يزيد بن عاصم المحاذى وقيل رجل من ربيعة من بنى يشكر كان مع على بصفين فلما رأى اتفاق الفريقين على الحكمين استوى على فرسه وحمل على أصحاب معاوية وقتل منهم رجلا وحمل على أصحاب على وقتل منهم رجلا ثم نادى بأعلى صوته ألا إنى قد خلعت عليا ومعاوية وبرئت من حكمهما ثم قاتل أصحاب على حتى قتله قوم من همذان.
ثم إن الخوارج بعد رجوع على من صفين الى الكوفة انحازوا الى حرورا وهم يومئذ اثنا عشر الفا ولذلك سميت الخوارج حرورية وزعيمهم يومئذ عبد الله بن كوا وشبت بن ربعى وخرج اليهم على وناظرهم ووضحت حجته عليهم فاستأمن اليه ابن الكوا مع عشرة من الفرسان وانحاز الباقون منهم الى النهروان وأمروا على أنفسهم رجلين أحدهما عبد الله بن وهب الراسبى والآخر حرقوص بن زهير البجلي العرني المعروف بذى الثدية والتقوا في طريقهم الى نهروان برجل رأوه يهرب منهم فأحاطوا به وقالوا له من أنت قال انا عبد الله بن حباب بن الأرت فقالوا له حدثنا حديثا سمعته عن أبيك عن رسول الله فقال سمعت أبي يقول قال رسول الله ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشى والماشى خير من الساعى فمن استطاع ان يكون فيها مقتولا فلا يكونن قاتلا فشد عليه رجل من الخوارج يقال له مسمع بن قدلي بسيفه فقتله فجرى دمه فوق ماء النهر كالشراك الى الجانب الآخر ثم إنهم دخلوا منزله وكان في القرية التى قتلوه على بابها فقتلوا ولده وجاريته أم ولده ثم عسكروا بنهروان وانتهى خبرهم الى على رضي الله عنه فسار اليهم في أربعة ألف من أصحابه وبين يديه عدى بن حاتم الطائى وهو يقول:
نسير اذا ما كاع قوم وبلدوا برايات صدق كالنسور الخوافق
الى شر قوم من شراة تحزبوا وعادوا إله الناس رب المشارق
طغاة عماة مارقين عن الهدى وكل ينفى قوله غير صادق
وفينا على ذو المعالى يقودنا اليهم جهارا بالسيوف البوارق
فلما قرب على منهم أرسل اليهم على: أن سلموا قاتل عبد الله ابن حباب فأرسلوا اليه إنا كلنا قتله ولئن ظفرنا بك قتلناك فأتاهم على في جيشه وبرزوا اليه يجمعهم فقال لهم قبل القتال ماذا نقمتم منى فقالوا له اول ما نقمنا منك أنا قاتلنا بين يديك يوم الجمل فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في عسكرهم من المال ومنعتنا من سبى نسائهم وذراريهم فكيف استحللت مالهم دون النساء والذرية فقال إنما أبحت لكم أموالهم بدلا عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومى عليهم والنساء والذرية لم يقاتلونا وكان لهم حكم الاسلام بحكم دار الاسلام ولم يكن منهم ردة عن الاسلام ولا يجوز استرقاق من لم يكفر وبعد لو أبحت لكم النساء أيكم يأخذ عائشة فى سهمه فخجل القوم من هذا ثم قالوا له نقمنا عليك محو إمرة أمير المؤمنين على اسمك في الكتاب بينك وبين معاوية لما نازعك معاوية في ذلك فقال فعلت مثل ما فعل رسول الله يوم الحديبية حين قال له سهيل بن عمرو لو علمت انك رسول الله لما نازعتك ولكن اكتب باسمك واسم ابيك فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو وأخبرنى رسول الله ان لى منهم يوما مثل ذلك فكانت قصتى في هذا مع الأبناء قصة رسول الله مع الآباء فقالوا له فلم قلت للحكمين إن كنت اهلا للخلافة فأثبتانى فإن كنت في شك من خلافتك فغيرك بالشك فيك اولى فقال إنما أردت بذلك النصفة لمعاوية ولو قلت للحكمين احكما لى بالخلافة لم يرض بذلك معاوية وقد دعا رسول الله عليه السلام نصارى نجران الى المباهلة وقال لهم {تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}. فانصفهم بذلك عن نفسه ولو قال ابتهل فاجعل لعنة الله عليكم لم يرض النصارى بذلك لذلك أنصفت انا معاوية من نفسى ولم أدر غدر عمرو بن العاص قالوا فلم حكمت الحكمين في حق كان لك فقال وجدت رسول الله قد حكم سعد بن معاذ فى بنى قريظة ولو شاء لم يفعل وأقمت أنا أيضا حكما لكن حكم رسول الله عليه السلام حكم بالعدل وحكمى خدع حتى كان من الامر ما كان فهل عندكم شيء سوى هذا فسكت القوم وقال اكثرهم صدق والله وقالوا التوبة واستأمن اليه منهم يومئذ ثمانية الف وانفرد منهم أربعة الآف بقتاله مع عبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير البجلى وقال على للذين استأمنوا اليه اعتزلونى في هذا اليوم وقاتل الخوارج بالذين قدموا معه من الكوفة وقال لاصحاب قاتلوهم فوالذى نفسى بيده لا يقتل منا عشرة ولا ينجو عشرة منهم فقتل من أصحاب على يومئذ تسعة وهم دويبية بن وبرة البجلى وسعد بن مجالد السيبعى وعبد الله بن حماد الجهيرى ورقانة بن وائل الارجى والفياض بن خليل الازدى وكبسوم بن سلمة الجهنى وعتبة بن عبيد الخلاوني وجميع بن جشم الكندى وحبيب بن عاصم الأودى قتل هؤلاء التسعة تحت راية على رضى الله عنه فحسب وبرز حرقوص بن زهير الى على وقال يا بن أبى طالب والله لا نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة وقال له على بل مثلكم كما قال الله عز وجل {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. منهم أنتم ورب الكعبة ثم حمل عليهم في أصحابه وقتل عبد الله بن وهب في المبارزة وصرع ذو الثدية عن فرسه وقتلت الخوارج يومئذ فلم يفلت منهم غير تسعة أنفس صار منهم رجلان الى سجستان ومن اتباعهما خوارج سجستان ورجلان صارا الى اليمن ومن أتباعهما أباضية اليمن ورجلان صارا الى عمان ومن اتباعهما خوارج عمان ورجلان صارا الى ناحية الجزيرة ومن اتباعهما كان خوارج الجزيرة ورجل منهم صار الى تل مورون وقال على لاصحابه يومئذ اطلبوا ذا الثدية فوجدوه تحت دالية ورأوا تحت يده عند الابط مثل ثدى المراة فقال صدق الله ورسوله وأمر فقتل.
فهذه قصة المحكمة الاولى وكان دينهم كفار على وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية واصحابه والحكمين ومن رضى بالتحكيم وإكفار كل ذى ذنب ومعصية.
ثم خرج على على بعد ذلك من الخوراج جماعة كانوا على رأي المحكمة الاولى منهم أشرس بن عوف وخرج عليه بالأنبار وغلفة التيمى من تيم عدى خرج عليه بماسيذان والاشهب بن بشر العرنى خرج عليه بحر جرايا وسعد بن قفل خرج عليه بالمدائن وابو مريم السعدى خرج عليه في سواد الكوفة فاخرج على الى كل واحد منهم جيشا مع قائد حتى قتلوا أولئك الخوارج ثم قتل على رضي الله عنه في تلك السنة في شهر رمضان سنة ثمانى وثلاثين من الهجرة.
فلما استوت الولاية لمعاوية خرج عليه وعلى من بعده الى زمان الازارقة قوم كانوا على رأى المحكمة الأولى.
منهم عبد الله بن جوشا الطائى خرج على معاوية بالنخيلة من سواد الكوفة فأخرج معاوية اليه اهل الكوفة حتى قتلوا اولئك الخوراج.
ثم خرج عليه حوثرة بن وداع الأسدى وكان من المستأمنين الى على يوم النهروان في سنة احدى وأربعين.
ثم خرج قروة بن نوفل الأشجعى المستورد بن علقمة التميمى على المغيرة بن شعبة وهو يومئذ امير الكوفة من قبل معاوية فقتلا في حربه.
ثم خرج معاذ بن جرير على المغيرة فقتل في حربه.
ثم خرج زياد بن خراش العجلى على زياد بن أبيه فقتل في حربه.
وخرج قريب بن مرة على عبيد الله بن زياد وخرج عليه ايضا زحاف بن رحر الطائى واستعرضا الناس في الطريق بالسيف فأخرج بن زياد اليهما بعباد بن الحصين الحيطى في جيش فقتلوا اولئك الخوارج.
فهؤلاء هم الخوارج الذين عاونوا على المحكمة الاولى قبل فتنة الأزارقة والله اعلم

الموضوع التالي


ذكرالأزارقة منهم

الموضوع السابق


ذكرالشيطانية منهم