ذكرالاباضية وفرقها
 
أجمعت الاباضية على القول بامامة عبد الله بن أباض وافترقت فيما بينها فرقا يجمعها القول بأن كفار هذه الامة يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الامة براء من الشرك والإيمان وانهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار وأجازوا شهادتهم وحرموا دماءهم في السر واستحلوها فى العلانية وصححوا منا كحنهم والتوارث منهم وزعموا انهم في ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق وقالوا باستحلال بعض اموالهم دون بعض والذى استحلوه الخيل والسلاح فأما الذهب والفضة فانهم يردونهما على أصحابهما عند الغنيمة.
ثم افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق وهى الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها.
واليزيدية منهم غلاة لقولهم بنسخ شريعة الاسلام في آخر الزمان وسنذكرهم في باب فرق الغلاة المنتسبين الى الاسلام بعد هذا.
وانما نذكر في هذا الباب الحفصية والحارثية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها

ذكرالحفصية منهم
هؤلاء قالوا بامامة حفص بن أبي المقدام وهو الذى زعم أن بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحدها فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول او جنة او نار او عمل بجميع المحرمات من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر المحرمات فهو كافر برىء من الشرك ومن جهل بالله تعالى وأنكره فهو مشرك وتأول هؤلاء فى عثمان بن عفان مثل تأول الرافضة في ابى بكر وعمر وزعموا ان عليا هو الذى انزل الله تعالى فيه {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام}. وأن عبد الرحمن بن ملجم هو الذى أنزل الله فيه {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله}.
ثم قالوا بعد هذا كله ان الإيمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله عز وجل فمن كفر بذلك فقد اشرك بالله عز وجل وهذا نقيض قولهم إن الفصل بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحده وأن من عرفه فقد برىء من الشرك وإن كفر بما سواه من رسول او جنة أو نار فصار قولهم في هذا الباب متناقضا.

ذكرالحارثية منهم
هؤلاء اتباع حارث بن مزيد الأباضي وهم الذين قالوا في باب القدر بمثل قول المعتزلة وزعموا ايضا أن الاستطاعة قبل الفعل وأكفرهم سائر الأباضية في ذلك لان جمهورهم على قول أهل السنة فى ان الله تعالى خالق أعمال العباد وفى أن الاستطاعة مع الفعل.
وزعمت الحارثية انه لم يكن لهم إمام بعد المحكمة الاولى إلا عبد الله بن أباضى وبعده حارث ابن مزيد الاباضى

ذكراصحاب طاعة لا يراد الله بها
زعم هؤلاء أنه يصح وجود طاعات كثيرة ممن لا يريد الله تعالى بها كما قاله ابو الهزيل وأتباعه من القدرية.
وقال أصحابنا أن ذلك لا يصح إلا في طاعة واحدة وهو النظر الاول فإن صاحبه اذا استذل به كان مطيعا لله تعالى في فعله وإن لم يقصد به التقرب الى الله تعالى لاستحالة تقربه اليه قبل معرفته فاذا عرف الله تعالى فلا يصح منه بعد معرفته طاعة منه لله تعالى الا بعد قصده التقرب بها اليه.
وزعمت الأباضية كلها أن دور مخالفيهم من أهل مكة دار توحيد الا معسكر السلطان فإنه دار بغى عندهم.
واختلفوا في النفاق على ثلاثة أقوال :
فقال فريق منهم إن النفاق براءة من الشرك والايمان جميعا واحتجوا بقول الله عز وجل في المنافقين {مذبذين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا}.
وفرقة منهم قالت كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد وفرقة ثالثة قالت لا نزيل اسم النفاق عن موضعه ولا نسمى بالنفاق غير القوم الذين سماهم الله تعالى منافقين.
ومن قال منهم بأن المنافق ليس بمشرك زعم أن المنافقين على عهد رسول الله كانوا موحدين وكانوا أصحاب كبائر فكفروا وإن لم يدخلوا في حد الشرك.
قال عبد القاهر بعد الجملة التى حكيناها عنهم شذوذ من الأقوال انفردوا بها :
منها أن فريقا منهم زعموا أن لا حجة لله تعالى على الخلائق في التحويد وغيره الا بالخبر وما يقوم مقام الخبر من إشارة وايماء.
ومنها أن قوما منهم قالوا كل من دخل فى دين الاسلام وجبت عليه الشرائع والاحكام سمعها أو عرفها أو لم يسمعها ولم يعرفها وقال سائر الامة لا يأثم بترك ما لم يقف عليه منها إلا أن ثبتت عليه الحجة فيه.
ومنها أن قوما منهم قالوا بجواز ان يبعث الله تعالى الى خلقه رسولا بلا دليل يدل على صدقة.
ومنها ان قوما منهم قالوا من ورد عليه الخبر بأن الله تعالى قد حرم الخمر او ان القبلة قد حولت فعليه ان يعلم ان الذى أخبره به مؤمن او كافر وعليه ان يعلم ذلك بالخبر وليس عليه ان يعلم أن ذلك عليه بالخبر.
ومنها قول بعضهم ليس على الناس المشى الى الصلاة ولا الركوب والمسير للحج ولا شيء من الاسباب التى يتوصل بها الى أداء الواجب وانما يجب عليهم فعل الطاعات الواجبة بأعيانها دون اسبابها الموصلة اليها.
ومنها قولهم جميعا بوجوب استتابة مخالفيهم في تنزيل او تأويل فان تابوا والا قتلوا سواء كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله او فيما لا يسع جهله.
وقالوا من زنى او سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فان تاب والا قتل.
وقالوا ان العالم يفنى كله اذا افنى الله اهل التكليف ولا يجوز الا ذلك لأنه انما خلقه لهم.
وأجازت الاباضية وقوع حكمين مختلفين فى شيء واحد من وجهين كمن دخل زرعا بغير إذن مالكه فان الله قد نهاه عن الخروج منه اذا كان خروجه منه مفسدا للزرع وقد أمره به.
وقالوا لا يتبع المدبر في الحرب اذا كان من أهل القبلة وكان موحدا ولا نقبل منهم امرأة ولا ذرية وأباحوا قتل المشبهه واتباع مدبرهم وسبى نسائهم وذراريهم وقالوا ان هذا كما فعله ابو بكر بأهل الردة.
وقد كان من الاباضية رجل يعرف بابراهيم دعا قوما من اهل مذهبة الى داره وأمر جارية له كانت على مذهبه بشيء فأبطأت عليه فحلف ليبيعنها في الاعراب فقال له رجل منهم اسمه ميمون وليس هو صاحب الميمونية من العجاردة كيف تبيع جارية مؤمنة الى الكفرة فقال له ابراهيم ان الله تعالى قد أحل البيع وقد مضى أصحابنا وهم يستحلون ذلك فتبرأ منهم ميمون وتوقف آخرون منهم فى ذلك وكتبوا بذلك الى علمائهم فأجابوهم بأن بيعها حلال وبأنه يستتاب ميمون ويستتاب من توقف فى ابراهيم فصاروا في هذا ثلاث فرق إبراهيمية وميمونية واقفة وتبع إبراهيم على إجازة هذا البيع قوم يقال لهم الضحاكية وأجازوا نكاح المسلمة من كفار قومهم في دار التقية فأما فى دار حكمهم فلا يستحلون ذلك وقوم منهم توقفوا في هذه المسلمة وفى أمر الزوجة وقالوا ان ماتت لم نصل عليها ولم نأخذ ميراثها لأنا لا ندري ما حالها.
وتبع بعد هؤلاء الإبراهيمية قوم يقال لهم البيهسية أصحاب أبى بيهس هيصم بن عامر قالوا ان ميمونا كفر بأن حرم بيع الأمة في دار التقية من كفار قومنا وكفرت الواقفة بأن لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم وكفر إبراهيم بأن لم يتبرأ من الواقفة.
قالوا وذلك أن الوقوف بما يسع على الأبدان وانما الوقوف على الحكم بعينه مالم يوافقه أحد فاذا وافقه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك إلا أن يعرف من عرف الحق ودان به ومن أظهر الباطل ودان به.
ثم ان البيهسية قالت: ان من واقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالى ويحد ولا نسميه قبل الرفع الى الوالى مؤمنا ولا كافرا.
وقال بعض البيهسية فاذا كفر الإمام كفرت الرعية وقال بعضهم كل شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كل ما كان منه في السكر من ترك الصلاة والشتم لله عز وجل وليس فيه حد ولا كفر ما دام في سكره.
وقال قوم من البيهسية يقال لهم العوفية السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه.
وافترقت العوفية من البيهسية فرقتين فرقة قالت من رجع عنا من دار هجرته ومن الجهاد الى حال القعود برئنا منه وفرقة قالت بل تتولاه لانه رجع إلى أمر كان مباحا له قبل هجرته الينا وكلا الفريقين قال اذا كفر الإمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد.
وللأباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها في كتاب الملل والنحل وفيما ذكرنا منه في هذا الكتاب كفاية

الموضوع التالي


ذكرالشبيبية منهم

الموضوع السابق


ذكر الثعالبة منهم