الفصل الثالث من فصول هذا الباب في بيان مقالات فرق الضلال من القدرية المعتزلة عن الحق
 
وهم عشرون فرقة
قد ذكرنا قبل هذا أن المعتزلة افترقت فيما بينها عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها وهن الواصلية والعمرية والهذيلية والنظامية والاسوارية والمعمرية والاسكافية والجعفرية والبشرية والمرادارية والهشامية والتمامية والجاحظية والحايطية والحمارية والخياطية واصحاب صالح قبة والمويسية والشحامية والكعبية والجبابية والبهشمية المنسوبة الى أبى هاشم بن الحبالى فهذه ثنتان وعشرون فرقة فرقتان منها من جملة فرق الغلاة في الكفر نذكرها فى الباب الذى نذكر فيه فرق الغلاة وهما الحايطية والحماريه وعشرون منها قدرية محضة يجمعها كلها فى بدعتها امور

منها نفيها كلها عن الله عز وجل صفاته الازلية وقولها بأنه ليس لله عز وجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزلية وزادوا على هذا بقولهم ان الله تعالى لم يكن له في الازل اسم ولا صفة.
ومنها قولهم باستحالة رؤية الله عز وجل بالابصار وزعموا أنه لا يرى نفسه ولا يراه غيره واختلفوا فيه هل هو راء نغيره أم لا فأجازه قوم منهم وأباه قوم آخرون منهم.
ومنها اتفاقهم على القول بحدوث كلام الله عز وجل وحدوث أمره ونهيه وخبره وكلهم يزعمون ان كلام الله عز وجل حادث واكثرهم اليوم يسمون كلامه مخلوقا.
ومنها قولهم جميعا بأن الله تعالى غير خالق لأكساب الناس ولا لشىء من أعمال الحيوانات وقد زعموا ان الناس هم الذين يقدرون أكسابهم وانه ليس لله عز وجل فى اكسابهم ولا فى اعمار سائر الحيوانات صنع ولا تقدير ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية.
ومنها اتفاقهم على دعواهم فى الفاسق من أمة الاسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهى انه فاسق لا مؤمن ولا كافر ولاجل هذا سماهم المسلمون معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها.
ومنها قولهم ان كل ما لم يأمر الله تعالى به او نهى عنه من أعمال العباد لم يشأ الله شيئا منها.
وزعم الكعبى فى مقالاته أن المعتزلة اجتمعت على أن الله عز وجل شىء لا كالاشياء وأنه خالق الأجسام والأعراض وأنه خلق كل ما خلقه لا من شىء وعلى أن العباد يفعلون أعمالهم بالقدر التى خلقها الله سبحانه وتعالى فيهم قال وأجمعوا على أنه لا يغفر لمرتكبى الكبائر بلا توبة.
وفى هذا الفصل من كلام الكعبى غلط منه على أصحابه من وجوه :

منها قوله إن المعتزلة اجتمعت على أن الله تعالى شيء لا كالاشياء وليست هذه الخاصية لله تعالى وحده عند جميع المعتزلة فإن الجبائى وابنه أبا هاشم قد قالا إن كل قدرة محدثة شىء لا كالاشياء ولم يخصوا ربهم بهذا المدح.
ومنها حكايته عن جميع المعتزلة قولها بأن الله عز وجل خالق الأجسام والأعراض وقد علم أن الاصم من المعتزلة ينفى الأعراض كلها وأن المعروف منهم بمعمر يزعم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض وأن ثمامة يزعم أن الاعراض المتولدة لا فاعل لها فكيف يصح دعواه إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه خالق الأجسام والأعراض وفيهم من ينكر وجود الأعراض وفيهم من يثبت الأعراض ويزعم أن الله تعالى لم يخلق شيئا منها وفيهم من يزعم أن المتولدات أعراض لا فاعل لها والكعبى مع سائر المعتزلة زعموا أن الله تعالى لم يخلق أعمال العباد وهي أعراض عند من أثبت الأعراض فبان غلط الكعبى فى هذا الفصل على أصحابه.
ومنها دعوى إجماع المعتزلة على أن الله خلق ما خلق لا من شىء وكيف يصح اجماعهم على ذلك والكعبى مع سائر المعتزلة سوى الصالحى يزعمون أن الحوادث كلها كانت قبل حدوثها أشياء والبصريون منهم يزعمون ان الجواهر والاعراض كانت فى حال عدمها جواهر وأعراضا وأشياء والواجب على هذا الفصل ان يكون الله خلق الشيء لا من شيء وإنما يصح القول بانه خلق الشىء لا من شىء على اصول اصحابنا الصفاتية الذين أنكروا كون المعدوم شيئا.
واما دعوى إجماع المعتزلة على ان العباد يفعلون أفاعلهم بالقدر التي خلقها الله تعالى فيهم فغلط منه عليهم لان معمرا منهم زعم أن القدرة فعل الجسم القادر بها وليست من فعل الله تعالى والاصم منهم ينفى وجود القدرة لأنه ينفى الأعراض كلها.
وكذلك دعوى إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه لا يغفر لمرتكبى الكبائر من غير توبة منهم غلط منه عليهم لان محمد بن شبيب البصرى والصالحى والخالدى هؤلاء الثلاثة من شيوخ المعتزلة وهم واقفية فى وعيد مرتكبى الكبائر وقد أجازوا من الله تعالى مغفرة ذنوبهم من غير توبة.
فبان بما ذكرناه غلط الكعبى فيما حكاه عن المعتزلة وصح ان المعتزلة يجمعها ما حكيناه عنهم مما أجمعوا عليه.
فاما الذى اختلفوا فيه فيما بينهم فعلى ما نذكره في تفصيل فرقهم إن شاء الله عز وجل

الموضوع التالي


ذكرالواصلية منهم

الموضوع السابق


ذكرالشبيبية منهم