ذكرالواصلية منهم
 
هؤلاء اتباع واصل بن عطا الغزال رأس المعتزلة وداعيهم الى بدعتهم بعد معبد الجهنى وغيلان الدمشقى.
وكان واصل من منتابى مجلس الحسن البصرى فى زمان فتنة الازارقة وكان الناس يومئذ مختلفين فى أصحاب الذنوب من امة الاسلام على فرق.
(1) فرقة تزعم أن كل مرتكب لذنب صغير او كبير مشرك بالله وكان هذا قول الازارقة من الخوراج وزعم هؤلاء ان اطفال المشركين مشركون ولذلك استحلوا قتل اطفال مخالفيهم وقتل نسائهم سواء كانوا من امة الاسلام او من غيرهم. وكانت الصفرية من الخوارج يقولون فى مرتكبى الذنوب بأنهم كفرة مشركون كما قالته الازارقة غير أنهم خالفوا الازارقة فى الاطفال.
(2) وزعمت النجدات من الخوارج ان صاحب الذنب الذى اجمعت الامة على تحريمه كافر مشرك وصاحب الذنب الذى اختلفت الامة فيه حكم على اجتهاد اهل الفقه فيه وعذروا مرتكب مالا يعلم تحريمه بجهالة تحريمه الى ان تقوم الحجة عليه فيه.
(3) وكانت الاباضية من الخوارج يقولون ان مرتكب ما فيه الوعيد مع معرفته بالله عز وجل وبما جاء من عنده كافر كفران نعمة وليس بكافر كفر شرك.
(4) وزعم قوم من اهل ذلك العصر ان صاحب الكبيرة من هذه الامة منافق والمنافق شر من الكافر المظهر لكفره.
(5) وكان علماء التابعين فى ذلك العصر مع أكثر الامة يقولون إن صاحب الكبيرة من أمة الاسلام مؤمن لما فيه من معرفته بالرسل والكتب المنزلة من الله تعالى ولمعرفته بأن كل ما جاء من عند الله حق ولكنه فاسق بكبيرته وفسقه لا ينفى عنه اسم الايمان والإسلام.
وعلى هذا القول الخامس مضى سلف الامة من الصحابة وأعلام التابعين فلما ظهرت فتنة الأزارقة بالبصرة والأهواز واختلف الناس عند ذلك فى أصحاب الذنوب على الوجوه الخمسة التي ذكرناها خرج واصل بن عطا عن قول جميع الفرق المتقدمة وزعم أن الفاسق من هذه الامة لا مؤمن ولا كافر وجعل الفسق منزلة بين منزلتى الكفر والايمان فلما سمع الحسن البصرى من واصل بدعته هذه التى خالف بها أقوال الفرق قبله طرده عن مجلسه فاعتزل عند سارية من سوارى مسجد البصرة وانضم اليه قرينه فى الضلالة عمرو ابن عبيد بن باب كعبد صريخه امه فقال الناس يومئذ فيهماانهما قد اعتزلا قول الامة وسمى أتباعهما من يومئذ "معتزلة".
ثم إنهما أظهرا بدعتهما فى المنزلة بين المنزلتين وضما اليها دعوة الناس الى قول القدرية على رأى معبد الجهنى فقال الناس يومئذ لواصل إنه مع كفره قدرى وجرى المثل بذلك فى كل كافر قدرى.
ثم ان واصلا وعمرا وافقا الخوارج فى تأييد عقاب صاحب الكبيرة فى النار مع قولهما بأنه موحد وليس بمشرك ولا كافر، ولهذا قيل للمعتزلة إنهم مخانيث الخوارج لان الخوارج لما رأو لأهل الذنوب الخلود في النار سموهم كفرة وحاربوهم والمعتزلة رأت لهم الخلود فى النار ولم تجسر على تسميتهم كفرة ولا جسرت على قتال اهل فرقة منهم فضلا عن قتال جمهور مخالفيهم ولهذا نسب إسحاق بن سويد العدري واصلا وعمرو بن عبيد الى الخوارج لاتفاقهم على تأييد عقاب أصحاب الذنوب فقال فى بعض قصائده:
برئت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم وابن باب
ومن قوم اذا ذكروا عليا يردون السلام على السحاب
ثم ان واصلا فارق السلف ببدعة ثالثة وذلك أنه وجد اهل عصره مختلفين فى على وأصحابه وفى طلحة والزبير وعائشة وسائر أصحاب الجمل فزعمت الخوارج ان طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم يوم الجمل كفروا بقتالهم عليا وأن عليا كان على الحق فى قتال أصحاب الجمل وفى قتال اصحاب معاوية بصفين الى وقت التحكيم ثم كفر بالتحكيم وكان اهل السنة والجماعة يقولون بصحة إسلام الفريقين فى حرب الجمل وقالوا ان عليا كان على الحق فى قتالهم واصحاب الجمل كانوا عصاة مخطئين فى قتال على ولم يكن خطؤهم كفرا ولا فسقا يسقط شهادتهم وأجازوا الحكم بشهادة عذلين من كل فرقة من الفريقين وخرج واصل عن قول الفريقين وزعم ان فرقة من الفريقين فسقة لا بأعيانهم وأنه لا يعرف الفسقة منهما وأجازوا ان يكون ا لفسقة من الفريقين عليا واتباعه كالحسن والحسين وابن عباس وعمار بن ياسر وأبى أيوب الأنصارى وسائر من كان مع على يوم الجمل وأجاز كون الفسقة من الفريقين عائشة وطلحة والزبير وسائر اصحاب الجمل ثم قال فى تحقق شكه فى الفريقين لو شهد على وطلحة او على والزبير ورجل من أصحاب على ورجل من اصحاب الجمل عندى على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما لعلمى بأن احدهما فاسق لا بعينه كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمى بان احدهما فاسق لا بعينه ولو شهد رجلان من احد الفريقين ايهما كان قبلت شهادتهما.
ولقد سخنت عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشك شيخ المعتزلة فى عدالة على واتباعه ومقالة واصل فى الجملة كما قلنا فى بعض أشعارنا:
مقالة ما وصلت بواصل بل قطع الله به أوصالها
وسنذكر تمام أبيات هذه القصيدةبعد هذا إن شاء الله غز وجل