ذكرالنظامية منهم
 
هؤلاء اتباع أبى اسحق ابراهيم بن سيار المعروف بالنظام والمعتزلة يموهون على الاغمار بديته يوهمون انه كان نظاما للكلام المنثور والشعر الموزون وانما كان ينظم الخرز في سوق البصرة ولاجل ذلك قيل له النظام وكان فى زمان شبابه قد عاشر قوما من الثنوية وقوما من السمتية القائلين بتكافؤ الادلة وخالط بعد كبره قوما من ملحدة الفلاسفة ثم خالط هشام بن الحكم الرافضى فاخذ عن هشام وعن ملحدة الفلاسفة قوله بابطال الجزء الذى لا يتجزأ ثم بنى عليه قوله بالطفرة التى لم يسبق اليها وهم احد قبله واخذ من الثنوية قوله بان فاعل العدل لا يقدر على فعل الجور والكذب واخذ من هشام بن الحكم ايضا قوله بان الالوان والطعوم والروائح والاصوات اجسام وبنى على هذه البدعة قوله بتداخل الاجسام فى حيز واحد ودلين مذاهب الثنوية وبدع الفلاسفة وشبه الملحدة فى دين الاسلام وأعجب بقول البراهمة بابطال النبوات ولم يجسر على اظهار هذا القول خوفا من السيف فانكر اعجاز القران فى نظمه وانكر ما روى فى معجزات نبينا من انشقاق القمر وتسبيح الحصا فى يده ونبوع الماء من بين اصابعه ليتوصل بانكار معجزات نبينا عليه السلام الى انكار نبوته ثم انه استثقل احكام شريعة الاسلام فى فروعها ولم يجسر على اظهار رفعها فابطل الطرق الدالة عليها فانكر لاجل ذلك حجة الاجماع وحجة القياس فى الفروع الشرعية وانكر الحجة من الاخبار التى لا توجب والعلم الضرورى.
ثم انه علم اجماع الصحابة على الاجتهادفى الفروع الشرعية فذكرهم بما يقرؤه غدا من صحيفة مخازيه وطعن فى فتاوى اعلام الصحابة رضى الله عنهم وجميع فرق الامة من فريقى الرأى والحديث مع الخوارج والشيعة والنجارية واكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام وانما تبعه فى ضلالته شرذمة من القدرية كالاسوارى وابن حايط وفضل الحدثى والجاحظ مع مخالفة كل واحد منهم له فى بعض ضلالاته وزيادة بعضهم عليه فيها واعجاب هؤلاء النفر اليسير به كاعجاب الجعل بدحروجته
وقد قال بتكفيره اكثر شيوخ المعتزلة منهم أبو الهذيل فانه قال بتكفيره فى كتابه المعروف بالرد على النظام وفى كتابه عليه فى الاعراض والانسان والجزء الذى لا يتجزأ.
ومنهم الجبائى كفر النظام فى قوله ان المتولدات من افعال الله بإيجاب الخلقة والجبائى فى هذا الباب هو الكافر دون غيره غير انا أردنا أن نذكر تكفير شيوخ المعتزلة بعضها بعضا وكفره الجبائى فى احالته قدرة الله تعالى على الظلم وكفره فى قوله بالطبائع وله فى ذلك كتاب عليه وعلى معمر فى الطبائع.
ومنهم الاسكافى له كتاب على النظام كفره فيه فى اكثر مذاهبه.
ومنهم جعفر بن حرب صنف كتابا فى تكفير النظام بابطاله الجزء الذى لا يتجزأ.
واما كتب اهل السنة والجماعة فى تكفيره فالله يحصيها ولشيخنا ابى الحسن الاشعرى رحمه الله فى تكفير النظام ثلاثة كتب وللقلانسى عليه كتب ورسائل.
وللقاضى ابى بكر محمد بن أبى الطيب الاشعرى رحمه الله كتاب كبير فى بعض اصول النظام وقد أشار الى ضلالاته فى كتاب اكفار المتأولين ونحن نذكر فى هذا الكتاب ما هو المشهور من فضائح النظام :

فاولها قوله بان الله عز وجل لا يقدر ان يفعل بعباده خلاف ما فيه صلاحهم ولا يقدر على ان ينقص من نعيم اهل الجنة ذرة لان نعيمهم صلاح لهم والنقصان مما فيه الصلاح ظلم عنده ولا يقدر ان يزيد فى عذاب اهل النار ذرة ولا على ان ينقص من عذابهم شيئا وزعم ايضا ان الله تعالى لا يقدر على ان يخرج احدا من اهل الجنة عنها ولا يقدر على ان يلقى فى النار من ليس من اهل النار.
وقال لو وقف طفل على شفير جهنم لم يكن الله قادرا على القائه فيها وقدر الطفل على القاء نفسه فيها وقدرت الزبانية ايضا على القائه فيها.
ثم زاد على هذا بان قال ان الله تعالى لا يقدر على ان يعمى بصيرا او يزمن صحيحا او يفقر غنيا اذا علم ان البصر والصحة والغنى اصلح لهم وكذلك لا يقدر على ان يغنى فقيرا او يصحح زمنا اذا علم ان المرض والزمانة والفقر اصلح لهم.
ثم زاد على هذا ان قال انه لا يقدر على ان يخلق حية او عقربا او جسما يعلم ان خلق غيره اصلح من خلقه.
وقد أكفرته البصرية من المعتزلة فى هذا القول وقالوا ان القادر على العدل يجب ان يكون قادرا على الظلم والقادر على الصدق يجب ان يكون قادرا على الكذب وان لم يفعل الظلم والكذب لقبحهما او غناه عنهما وعلم بغناه عنهما لان القدرة على الشيء يجب ان يكون قدرة على صده فاذا قال النظام ان الله تعالى لا يقدر على الظلم والكذب لزمه ان لا يكون قادرا على الصدق والعدل والقول بانه لا يقدر على العدل كفر فما يؤدى اليه مثله.
وقالوا ايضا لا فرق بين قول النظام إنه يكون من الله تعالى مالا يقدر على صده ولا على تركه وبين قول من زعم انه مطبوع على فعل لا يصح منه خلافه وهذا كفر فما يؤدى اليه مثله.
ومن عجائب النظام فى هذه المسألة انه صنف كتابا على الثنوية وتعجب فيه من قول المانوية بان النور يأمر اشكاله المختلفة بالظلمة يفعل الخير وهي مما لا تقدر على الشر ولا يصح منها فعل الشرور وتعجب من ذم الثنوية الظلمة على فعل الشر مع قولها بان الظلمة لا تستطيع فعل الخير ولا تقدر الا على الشر فيقال له اذا كان الله عندك مشكورا على فعل العدل والصدق وهو غير قادر على فعل الظلم والكذب فما وجه انكارك على الثنوية ذم الظلم على الشر وهى عندهم لا تعذر على خلاف ذلك.
الفضيحة الثانية من فضائحه قوله ان الانسان هو الروح وهو جسم لطيف فداخل لهذا الجسم الكثيف مع قوله بان الروح هى الحياة المشابكة لهذا الجسد وقد زعم انه فى الجسد على سبيل المداخلة وانه جوهر واحد غير مختلف ولا متضاد وفى قوله هذا فضائح له :

منها ان الانسان على هذا القول لا يرى على الحقيقة وانما يرى الجسد الذى فيه الانسان ومنها انه يوجب ان الصحابة ما رأوا رسول الله وانما رأوا قالبا فيه الرسول.
ومنها يوجب ان لا يكون احد قد رأى اباه وامه وانما رأى قالبيهما.
ومنها انه اذا قال فى الانسان انه ليس هو الجسد الظاهر وانما هو روح مداخل للجسد لزمه ان يقول فى الجماد ايضا انه ليس هو جسده وانما هو روح فى جسده وهو الحياة المشابكة للجسد وكذلك القول فى الفرس وسائر البهائم وجميع الطيور والحشرات واصناف الحيوانات وكذلك القول فى الملائكة والجن والانس والشياطين وهذا يوجب ان احدا ما رأى حمارا ولا فرسا ولا طيرا ولا نوعا من الحيوان ويوجب ايضا ان لا يكون النبى رأى ملكا ويوجب ان الملائكة لا يرى بعضهم بعضا وانما رأى الراؤون قوالب هذه الاشياء التى ذكرناها.
ومنها انه اذا قال ان الروح التى في الجسد هى الانسان وهى الفاعلة دون الجسد الذى هو قالبه لزمه ان يقول ان الروح هى الزانية والسارقة والقاتلة فاذا جلد الجسد وقطعت يده صار المقطوع غير السارق والمجلود غير الزانى وفى هذا غنى ويقول الله عز وجل {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقوله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} وكفاه بعناد القرآن خزيا.
الفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بان الروح التى هي الانسان بزعمه مستطيع بنفسه حى بنفسه وانما يعجز لآفة تدخل عليه والعجز عنده جسم ولا يخلو من ان يقول فى العاجز والميت انهما نفس الانسان الذى يكون حيا قادرا او يقول ان الميت العاجز جسده فان قال ان الانسان هو الذى يعجز ويموت أبطل قوله بأن الانسان حى بنفسه ومستطيع بنفسه لوجود نفسه فى حال موته وعجزه ميته او عاجزه وان زعم ان الروح هى قوى بنفسه وان الجسد هو الذى يموت ويعجز غير الذى كان حيا قادرا ويجب على هذا القول ان لا يكون الله تعالى قادرا على احياء ميت ولا على اماتة حى ولا على اقدار عاجز ولا على تعجيز قادر لان الحى عنده لا يموت والقوى لا يعجز وقد وصف الله تعالى نفسه بانه يحيى الموتى وان زعم ان الروح حى قوى بنفسه وانما تموت وتعجز لأنه تدخل عليه لم ينفصل ممن يزعم انها ميتة عاجزة بنفسها وانما تحيى وتقوى بحياة وقدرة تدخلان عليهما.
الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله ان الروح جنس واحد وافعاله جنس واحد وان الاجسام ضربان حى وميت وان الحى منها يستحيل ان يصير ميتا والميت يستحيل ان يصير حيا وانما اخذ هذا القول من الثنوية والبرهانية الذين زعموا ان النور حي خفيف من شأنه الصعود ابدا وان الظلام موات ثقيل من شأنه التسفل ابدا وان الثقيل الميت محال ان يصير خفيفا وان الخفيف الحى محال ان يصير ثقيلا ميتا.
الفضحية الخامسة من فضائحه دعواه ان الحيوان كله جنس واحد لاتفاق حمية منه فى تدريك الادراك وزعم ان العمل اذا اتفق دل اتفاقه على اتفاق ما ولده وزعم ايضا ان الجنس الواحد لا يكون منه عملان مختلفان كما لا يكون من النار تسخين وتبريد ولا من الثلج تسخين وتبريد وهذا تحقيق قول الثنوية ان النور يفعل الخير ولا يكون منه الشر والظلام يفعل الشر ولا يكون منه الخير لان الفاعل الواحد لا يفعل فعلين مختلفين كما لا يقع من النار تسخين وتبريد ولا من الثلج تسخين وتبريد.
ومن العجب انه صنف كتابا على الثنوية ألزمهم فيه استحالة مزاج النور والظلمة اذا كانا مختلفين فى الجنس والعمل وكانت جهات تحركهما مختلفة ثم زعم مع ذلك ان الخفيف والثقيل من الاجسام مع اختلافهما فى جنسيهما واختلاف جهتى حركتهما تتداخلان والمداخلة فى حيز واحد اعظم من المزاج الذى انكره على الثنوية.
الفضيحة السادسة من فضائحه قوله بان النار من شأنها ان تعلو بطباعها على كل شىء وانها اذا شملت من الشوائب الحابسة لها فى هذا العالم ارتفعت حتى تجاوز السماوات والعرش الا ان يكون من جنسها ما تتصل به فلا تفارقه.
وقال فى الروح ايضا انه اذا كان فارق الجسد ارتفع ويستحيل منها غير ذلك وهذا بعينه قول الثنوية اذ الذى شاب من اجزاء النور باجزاء الظلمة اذا انفصل منها ارتفع الى عالم النور فان كان يثبت فوق السماء نورا تتصل به الارواح فهو ثنوى وان كان يثبت فوق الهواء نارا يخلص اليها النيران المرتفعة فى الهواء فهو من جملة الطبيعيين الذين زعموا ان مسافة الهواء فى الارتفاع عن الاعراض ستة عشر ميلا وفوقها نار متصلة بفلك القمر يلحق بها ما يرتفع من لهب النار فهو اما ثنوى واما طبيعي يدلس نفسه فى غمار المسلمين.
الفضيحة السابعة من فضائحه قوله بان افعال الحيوان كلها من جنس واحد وهى كلها حركة وسكون والسكون عنده حركة اعتماد والعلوم والارادات عنده من جملة الحركات وهى الاعراض والاعراض كلها عنده جنس واحد وهى كلها حركات فاما الالوان والطعوم والاصوات والخواطر فهن عنده اجسام مختلفة به ومتداخلة ونتيجة قوله بان افعال الحيوان جنس واحد توجب عليه ان يكون الايمان مثل الكفر والعلم مثل الجهل والحب مثل البغض وان يكون فعل النبى عليه السلام بالمؤمنين مثل فعل ابليس بالكافرين وان يكون دعوة النبى عليه السلام الى دين الله تعالى مثل دعوة ابليس إلى الضلالة وقد قال فى بعض كتبه ان هذه الافعال كلها جنس واحد وانما اختلفت اسماؤها لاختلاف احكامها وهى فى الجنس واحد لانها كلها افعال الحيوانات ولا يفعل الحيوان عنده فعلين مختلفين كما لا يكون من النار تبريد وتسخين.
ويلزمه على هذا الاصل ان لا يغضب على من شتمه ولعنه لان قول القائل لعن الله النظام عند النظام مثل قوله رحمه الله وقوله انه ولد زنى كقوله انه ولد حلال فان رضى لنفسه بمثل هذا المذهب فهو أهل له ولما يلزمه عليه.
الفضيحة الثامنة من فضائحه قوله بان الالوان والطعوم والروائح والاصوات والخواطر أجسام واجازته تداخل الاجسام الكثيرة في حيز واحد وقد انكر على هشام بن الحكم قوله بان العلوم والارادات والحركات اجسام وقال لو كانت هذه الثلاثة اجساما لم يجتمع فى شىء واحد ولا فى حيز واحد وهو يقول ان اللون والطعم والصوت اجسام متداخلة فى حيز واحد وينقض بمذهب اعتلاله على خصمه ومن أجاز مداخلة الاجسام فى حيز واحد لزمه اجازة دخول الجمل فى سم الخياط.
الفضيحة التاسعة من فضائحه قوله فى الاصوات وذلك انه زعم انه ليس فى الارض اثنان سمعا صوتا واحدا الا على معنى انهما سمعا جنسا واحدا من الصوت كما يأكلان جنسا واحدا من الطعام وان كان مأكول احدهما غير ماكول الآخر وانما ألجأه الى هذا القول دعواه ان الصوت لا يسمع الا بهجومه على الروح من جهة السمع ولا يجوز ان يهجم من قطعه واحدة على سمعين متباينين وشبه ذلك بالماء المصبوب على قوم يصيب كل واحد منهم غير ما يصيب الآخر.
ويلزمه على هذا الاصل ان لا يكون احد سمع كلمة واحدة من الله تعالى ولا من رسوله لان مسموع كل واحد من السامعين خير من صوت المتكلم بالكلمة الواحدة والكلمة الواحدة ربما كانت من حرفين وبعض الحرفين لا يكون كلمة عنده وان زعم ان الصوت لا يكون كلاما مسموعا الا اذا كان من حروف لزمه ان لا يسمع الجماعة حرفا واحدا لان الحرف الواحد لا ينقسم حروفا كثيرة على عدد السامعين.
الفضيحة العاشرة من فضائحه قول بانقسام كل جزء لا الى نهايةوفى ضمن هذا القول احالة كون الله تعالى محيطا بآخر العالم عالما بها وذلك قول الله تعالى {وأحاط بما لديهم وأحصى كل شىء عددا}.
ومن عجائبه انه انكر على المانوية قولهم بان الهمامة التى هي روح الظلمة عندهم قطعت بلادها ووافت الفضيحة العليا من العليا حتى شاهدت النور وقال لهم ان كانت بلادها لا تتناهى من جهة السفل فكيف قطعتها الهمامة لان قطع ما لا نهاية له محال ثم زعم مع ذلك ان الروح اذا فارق البدن قطع العالم الى فوق مع قوله بان المقطوع من العالم غير متناهية الاجزاء بل كل قطعة منها غير متناهية الاجزاء فكيف قطعها الروح فى وقت متناه ولاجل هذا الالزام قال بالطفرة التى لم يسبق اليها من أهل الاهواء غيره.
واعجب من هذا انه الزم الثنوية بتناهى النور والظلمة من كل جهة من الجهات الست من اجل قولهم بتناهى كل واحد منها من جهة ملاقاته للآخر فهل استدل بتناهى كل جسم من جميع جهات اطرافه على تناهى اجزائه فى الوسط واذا كان تناهى الجسم من جهاته الست لا يدل عنده على تناهيه فى الوسط لم ينفصل من الثنوية اذا قالوا ان تناهى كل واحد من النور والظلمة من جهة الملاقاة لا يدل على تناهيهما من سائر الجهات.
الفضيحة الحادية عشرة من فضائحه قوله بالطفرة وهى دعواه ان الجسم قد يكون في مكان ثم يصير منه الى المكان الثالث او العاشر منه من غير مرور بالامكنة المتوسطة بينه وبين العاشر ومن غير ان يصير معدوما فى الأول ومعادا فى العاشر.
ونحن نتحاكم اليه فى بطلان هذا القول ان انصف من نفسه وان كان التحكيم بعد أبى موسى الاشعرى وعمرو بن العاص تضييعا للحزم.
الفضيحة الثانية عشرة من فضائحه هى التى تكاد السماوات يتفطرن منه وهى دعواه انه لا يعلم باخبار الله عز وجل ولا باخبار رسوله عليه السلام ولا باخبار اهل دينه شىء على الحقيقة ودعواه ان الاجسام والالوان لا يعلمان بالاخبار.
والذى الجأه الى هذا القول الشنيع قوله بان المعلومات ضربان محسوس وغير محسوس والمحسوس منها اجسام ولا يصح العلم بها الا من جهة الحس والحس عنده لا يقع الا على جسم واللون والطعم والرائحة والصوت عنده اجسام قال ولهذا ادركت بالحواس واما غير المحسوس فضربان قديم وأعراض وليس طريق العلم بهما الخبر وانما يعلمان بالقياس والنظر دون الحس والخبر.
فقيل له على هذا الاصل كيف عرفت ان محمدا كان فى الدنيا وكذلك سائر الانبياء والملوك وان كانت الاخبار عندك لا يعلم بها شىء.
فقال ان الذين شاهدوا النبى عليه السلام اقتطعوا منه حين رأوه قطعة توزعوها بينهم وصلوها بارواحهم فلما اخبروا التابعين عن وجوده خرج منهم بعض تلك القطعة فاتصل بارواح التابعون لاتصال ارواحهم ببعضه وهكذا قصة الناقلون عن التابعين ومن نقلوا عنهم الى ان وصل الينا.
فقيل فقد علمت اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة ان نبينا عليه السلام كان فى الدنيا أفتزعم ان قطعة منه اتصلت بارواح الكفرة فالتزم ذلك فالزم ان يكون أهل الجنة اذا اطلعوا على اهل النار ورآهم اهل النار وخاطب كل واحد من الفريقين الفريق الآخر ان تنفصل قطعة من ارواح كل واحد منهم فيتصل بأرواح الفريق الآخر فيدخل الجنة قطع كثيرة من ابدان اهل النار وارواحهم ويدخل النار قطع كثيرة من ابدان أهل الجنة وارواحهم وكفاه بالتزام هذه البدعة خزيا.
الفضيحة الثالثة عشرة من فضائحه ما حكاه الجاحظ عنه من قوله تتجدد الجواهر والاجسام حالا بعد حال وان الله تعالى يخلق الدنيا وما فيها فى كل حال من غير ان يفنيها ويعيدها.
وذكر ابو الحسين الخياط فى كتابه على ابن الروندى ان الجاحظ غلط فى حكاية هذا القول على النظام.
فيقال له ان صدق الجاحظ عليه فى هذه الحكاية فاحكم بحبل النظام وحمقه والحادة فيه وان كذب عليه فاحكم بمجون الجاحظ وسفهه وهو شيخ المعتزلة وفيلسوفها ونحن لا ننكر كذب المعتزلة على أسلافها اذا كانوا كاذبين على ربهم ونبيهم.
الفضيحة الرابعة عشر من فضائحه قوله بأن الله تعالى خلق الناس والبهائم وسائر الحيوان وأصناف النبات والجواهر المعدنية كلها فى وقت واحد وان خلق آدم عليه السلام لم يتقدم على خلق اولاده ولا تقدم خلق الامهات على خلق الأولاد وزعم أن الله تعالى خلق ذلك أجمع فى وقت واحد غير أن اكثر بعض الاشياء فى بعض فالتقدم والتأخر إنما يقع فى ظهورها من أماكنها وفى هذا تكذيب منه لما اجتمع عليه من سلف الامة مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى والسامرة من أن الله تعالى خلق اللوح والقلم قبل خلق السموات والارض وانما اختلفت المسلمون فى السماء والأرض أيتهما خلقت أولا فخالف النظام المسلمين وأهل الكتاب فى ذلك وخالف فيه أكثر المعتزلة لأن المعتزلة البصرية زعمت أن الله تعالى خلق إرادته قبل مرادته وأقر سائرهم بخلق بعض أجسام العالم قبل بعض وزعم أبو الهذيل أنه خلق قوله للشىء كن لا فى محل قبل أن خلق الأجسام والأعراض وقول النظام بالظهور والكمون فى الاجسام وتداخلها شر من قول الزهرية الذين زعموا أن الاعراض كلها كامنة فى الاجسام وإنما يتعين الوصف على الأجسام بظهور بعض الاعراض وكمون بعضها وفى كل واحد من المذهبين تطريق الدهرية الى إنكار حدوث الأجسام والأعراض بدعواهم وجود جميعها فى كل حال على شرط كمون بعضها وظهور بعضها من غير حدوث شىء منها فى حال الظهور وهذا إلحاد وكفر وما يؤدى الى الضلالة فهو مثلها.
الفضيحة الخامسة عشرة من فضائحه قوله أن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس بمعجزة للنبى عليه السلام ولا دلالة على صدقه فى دعواه النبوة وإنما وجه الدلالة منه على صدقه ما فيه من الاخبار عن الغيوب فأما نظم القرآن وحسن تأليف آياته فإن العباد قادرون على مثله وعلى ما هو أحسن منه فى النظم والتأليف.
وفى هذا عناد منه لقول الله تعالى {لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}. ولم يكن غرض منكر إعجاز القرآن إلا إنكار نبوة من تحدى العرب بأن يعارضوه بمثله.
الفضيحة السادسة عشرة من فضائحه قوله بأن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيهم يجوز ان يقع كذب هذا مع قوله بأن من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضرورى.
وقد كفره أصحابنا مع موافقيه فى الاعتزال فى هذا المذهب الذى صار اليه.
الفضيحة السابعة عشرة من فضائحه تجويزه إجماع الامة فى كل عصر وفى جميع الاعصار على الخطأ من جهة الرأى والاستدلال.
ويلزمه على هذا الاصل ان لايثق بشىء مما اجتمعت الامة عليه لجواز خطئهم فيه عنده واذا كانت احكام الشريعة منها ما أخذه المسلمون عن خبر متواتر ومنها ما أخذوه عن أخبار الاحاد ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس وكان النظام واقعا لحجة التواتر ولحجة الإجماع وإبطل القياس وخبر الواحد اذا لم يوجد العلم الضرورى فكأنه أراد إبطال أحكام فروع الشريعة لإبطاله طرقها.
والفضيحة الثامنة عشرة دعواه فى باب الوعيد أن من غصب أو سرق مائة وتسعة وتسعين درهما لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه او غصبه وخان فيه مائتى درهم فصاعدا.
فان كان قد بنى هذا القول على ما يقطع فيه اليد فى السرقة فما جعل احد نصاب القطع فى السرقة مائتى درهم بل قال قوم فى نصاب القطع إنه ربع دينار او قيمته وبه قال الشافعى وأصحابه وقال مالك بربع دينار او ثلاثة دراهم وقال ابو حنيفة بوجوب القطع فى عشرة دراهم فصاعدا واعتبره قوم باربعين درهما او قيمتها وأوجبت الاباضية القطع في قليل السرقة وكثيرها وما اعتبر احد نصاب القطع بمائتى درهم ولو كان التفسيق معتبرا بنصاب القطع لما فسق الغاصب لألوف دنانير لأنه لا قطع على الغاصب المجاهر ولوجب أن لا يفسق من سرق الالوف من غير حرز او من الابن لأنه لا قطع فى هذين الوجهين.
وان كان إنما بنى تحديد المائتين فى الفسق على ان المائتين نصاب للزكاة لزمه تفسيق من سرق اربعين شاة بوجوب الزكاة فيها وان كانت قيمتها دون مائتى درهم واذا لم يكن للقياس فى تحديده محال ولم يدل عليه نص من القرآن والسنة الصحيحة لم يكن مأخوذا الا من وسوسة شيطانه الذى دعاه الى ضلالته.
الفضيحة التاسعة عشرة من فضائحه قوله فى الايمان ان اجتناب الكبيرة فحسب.
ونتيجة هذا القول ان الأقوال والأفعال ليس شىء منها إيمانا والصلاة عنده أفعالها ليست بإيمان ولا من الايمان وانما الايمان فيها ترك الكبائر فيها.
وكان يقول مع هذا ان الفعل والترك كلاهما طاعة والناس قبله فريقان فريق قالوا ان الصلاة كلها من الايمان وفريق قالوا ليس شىء من الصلاة ايمانا وقد فارق هو الفريقين فزعم ان الصلاة ليست من الايمان وترك الكبائر فيها من الايمان
الفضيحة العشرون من فضائحه قوله فى باب المعاد بان العقارب والحيات والخنافس والذباب والذبان والجعلان والكلاب والخنازير وسائر السباع والحشرات تحشر الى الجنة وزعم أن كل من وكل ما تفضل الله عليه بالجنة لا يكون لبعضهم على بعض درجة فى التفضيل وزعم انه ليس لابراهيم بن رسول الله فى الجنة تفضيل درجة على درجات أطفال المؤمنين ولا لاطفال المؤمنين فيها تفضيل بدرجة او نعمة او مرتبة على الحيات والعقارب والخنافس لانه لا عمل لهم كما لا عمل لها فحجر على رب العالمين ان يتفضل على اولاد الانبياء بزيادة نعمة لا يتفضل بمثلها على الحشرات ثم لم يرض بهذا الحجر حتى زعم انه لا يقدر على ذلك وزعم ايضا انه لا يتفضل على الانبياء عليهم السلام الا بمثل ما يتفضل به على البهائم لأن باب الفضل عنده لا يختلف فيه العالمون وغيرهم وانما يختلفون فى الثواب والجزاء لاختلاف مراتبهم فى الاعمال.
وينبغى للنظام على قول هذا الاصل ان لا يغضب على من قال له حشرك الله مع الكلاب والخنازير والحيات والعقارب الى مأواها ونحن ندعو له بهذا الدعاء رضى به لنفسه.
الفضيحة الحادية والعشرون من فضائحه أنه لما ابتدع ضلالاته فى العلوم العقلية أدخل فى أبواب الفقه ايضا ضلالات له لم يسبق اليها.
منها قوله إن الطلاق لا ينفع بشىء من الكنايات كقول الرجل لامرأته أنت خلية او برية او حبلك على غاربك او الحقي بأهلك او اغتدى او نحوها من كنايات الطلاق عند الفقهاء سواء نوى بها الطلاق او لم ينوه.
وقد أجمع فقهاء الامة على وقوع الطلاق بها اذا قارنتها نية الطلاق وقد قال فقهاء العراق إن كنايات الطلاق فى حال الغضب كصريح الطلاق فى وقوع الطلاق بهما من غير نية.
ومنها قوله فى الظهار ان من ظاهر من امرأته بذكر البطن او الفرج لم يكن مظاهرا.
وهذا فيه خلاف قول الامة بأسرها.
والشأن فى أنه كان يقول بتفسيق أبى موسى الاشعرى فى حكمه ثم اختار قوله فى أن النوم لا ينقض الطهارة اذا لم يكن معها حدث على قول الجمهور الأعظم بأن النوم مضطجعا ينقض الوضوء وانما اختلفوا فى النوم قاعدا وراكعا وساجدا وسامح فيه أبو حنفية وأوجبه اكثر اصحاب الشافعى من طريق القياس.
ومنها أنه زعم أن من ترك صلاة مفروضة عمدا لم يصح قضاؤه لها ولم يجب عليه قضاؤها.
وهذا عند سائر الامة كفر ككفر من زعم أن الصلوات الخمس غير مفروضة وفى فقهاء الامة من قال فيمن فاتته صلاة مفروضة أنه يلزمه قضاء صلوات يوم وليلة وقال سعيد بن المسيب من ترك صلاة مفروضة حتى فات وقتها قضى الف صلاة وقد بلغ من تعظيم شأن الصلاة أن بعض الفقهاء افتى بكفر من ينكرها عامدا وان لم يستحل تركها كما ذهب اليه احمد بن حنبل وقال الشافعى بوجوب قتل تاركها عمدا وان لم يحكم بكفره اذا تركها كسلا لا استحلالاتة وقال ابو حنيفة بحبس تارك الصلاة وتعذيبه الى ان يصلى.
وخلاف النظام للامة فى وجوب قضاء المتروكة من فرائض الصلاة بمنزلة خلاف الزنادقة فى وجوب الصلاة ولا اعتبار بالخلافين.
ثم ان النظام مع ضلالاته التى حكيناها عنه طعن فى اخبار الصحابة والتابعين من اجل فتاويهم بالاجتهاد فذكر الجاحظ عنه فى كتاب المعارف وفى كتابه المعروف بالفتيا أنه عاب اصحاب الحديث ورواياتهم احاديث ابى هريرة وزعم أن أبا هريرة كان اكذب الناس وطعن فى الفاروق عمر رضى عنه وزعم انه شك يوم الحديبية فى دينه وشك يوم وفاة النبى وانه كان فيمن نفر بالنبى عليه السلام ليلة العقبة وأنه ضرب فاطمة ومنع ميراث الفترة وانكر عليه تغريب نصر بن الحجاج من المدينة الى البصرة وزعم أنه ابدع صلاة التراويح ونهى عن متعة الحج وحرم نكاح الموالى للعربيات.
وعاب عثمان بايوآئه الحكم بن العاص الى المدينة واستعماله الوليد بن عقبة على الكوفة حتى صلى بالناس وهو سكران وعابه بأن أعان سعيد بن العاص بأربعين الف درهم على نكاح عقده وزعم أنه استأثر بالحمى.
ثم ذكر عليا رضى الله عنه وزعم انه سئل عن بقرة قتلت حمارا فقال اقول فيها برأيى ثم قال بجهله من هو حتى يقضى برأيه.
وعاب ابن مسعود فى قوله فى حديث تزويج بنت واشتف اقول فيها برأيى فان كان صوابا فمن الله عز وجل وان كان خطأ فمنى وكذبه فى روايته عن النبى عليه السلام أنه قال {السعيد من سعد فى بطن أمه والشقى من شقى فى بطن أم} وكذبه ايضا فى روايته انشقاق القمر وفى رواية الجن ليلة الجن.
فهذا قوله فى اخيار الصحابة وفى اهل بيعة الرضوان الذين انزل الله تعالى فيهم {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}. ومن غضب على من رضى الله عنه فهو المغضوب عليه دونه.
ثم أنه قال فى كتابه ان الذين حكموا بالرأى من الصحابة اما ان يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائر لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأى فى الفتيا عليهم وإما ارادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء فى المذاهب فاختاروا لذلك القول بالرأى فنسبهم الى إبثار الهوى على الدين وما للصحابة رضى الله عنهم عند هذا الملحد الفرى ذنب غير أنهم كانوا موحدين لا يقولون بكفر القدرية الذين ادعوا مع الله خالقين كثيرين.
وانما انكر على ابن مسعود روايته أن السعيد من سعد فى بطن أمه والشقى من شقى في بطن أمه لأن هذا اخلاف قول القدرية فى دعواها من السعادة والشقاوة ليستا من قضاء الله عز وجل وقدره.
واما إنكاره انشقاق القمر فإنما كره منه ثبوت معجزة لنبينا عليه عليه السلام كما انكر معجزته فى نظم القرآن فإن كان أحال انشقاق القمر مع ذكر الله عز وجل ذلك فى القرآن مع قوله من طريق العقل فقد زعم أن جامع اجزاء القمر لا يقدر على تفريقها وان اجاز انشقاق القمر فى القدرة والإمكان فما الذى اوجب كذب ابن مسعود فى روايته انشقاق القمر مع ذكر الله عز وجل ذلك فى القرآن مع قوله {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} فقول النظام بانشقاق القمر لم يكن اصلا شر من قول المشركين الذين قالوا لما رأوا انشقاقه زعموا أن ذلك واقع بسحر ومنكر وجود المعجزة شر ممن تأولها على غير وجهها.
وأما انكاره رؤية الجن اصلا لزمه أن لا يرى بعض الجن بعضا وان اجاز رؤيتهم فما الذى أوجب تكذيب ابن مسعود فى دعواه رؤيتهم.
ثم ان النظام مع ما حكيناه من ضلالاته كان افسق خلق الله عز وجل وأجرأهم على الذنوب العظام وعلى إدمان شرب المسكر وقد ذكر عبد الله بن مسلم بن قتيبه رحمه الله فى كتاب مختلف الحديث أن النظام كان يغدو على مسكر ويروح على مسكر وانشد قوله فى الخمر :
ما زلت آخذ روح الزق فى لطف واستبيح دما من غير مذبوح
حتى انتشيت ولى روحان فى بدن والزق مطرح جسم بلا روح
ومثله فى طعنه على اخبار الصحابة مع بدعته مع بدعته فى أقواله وضلالته فى أفعاله كما قيل فى الامثال السائرة ان من كان فى دينه دميما وفى اصله لئيما لم يترك لنفسه عارا يهيما الا نحله كريما واستباح به حريما وهل يضر السحاب نباح الكلاب ؟ وكما لايضر السحاب نباح الكلاب كذلك لا يضر الأبرار ذم الأشرار، وما مثله في طعنه على أخيار الصحابة مع بدعته وضلالته إلا كما قال حسان بن ثابت:
ما أبالى أنبّ بالحزن تيسٌ >< أم لحاني بظهر غيب لئيم
وقال غيره:
ما ضرّ تغلب وائلٍ أهجوتها >< أم بلتَ حيث تناطح

الموضوع التالي


ذكرالأسوارية منهم

الموضوع السابق


ذكرالهذيلية منهم