ذكرالمعمرية منهم
 
وهم أتباع معمر بن عبّاد السلميّ، وكان رأسا للملحدة، وذنَبا للقدرية. وفضائحه على الأعداد كثيرة الأمداد.
منها أنه كان يقول: إن الله تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض، من لون أو طعم، أو رائحة، أوحياة، أوموت، أوسمع، أوبصر، وإنه لم يخلق شيئا من صفات الأجسام، وهذا خلاف قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، وخلاف قوله تعالى في صفة نفسه: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وكان يزعم أن الله إنما خلق الأجسام، ثم إن الأجسام أحدثت الأعراض باعتبار أن كل ما سبق من حياة وموت وسمع وبصر ولون وطعم ورائحة ماهو إلا عرض فى الجسم من فعل الجسم بطبعه والاصوات عنده فعل الاجسام المصوبة بطباعها وفناء الجسم عنده فعل الجسم بطبعه وصلاح الزروع وفسادها من فعل الزروع عنده وزعم ايضا ان فناء كل فان فعل له بطبعه وزعم ان ليس لله تعالى في الاعراض صنع ولا تقدير
وفى قوله ان الله تعالى لم يخلق حياة ولا موتا تكذيب منه لوصف الله سبحانه نفسه بأن يحيى ويميت وكيف يحيى ويميت من لا يخلق حياة ولا موتا.
الفضيحة الثانية من فضائحه انه لما زعم أن الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض وانكر مع ذلك صفات لله تعالى الازلية كما أنكرها سائر المعتزلة لزمه على هذه البدعة أن لا يكون لله تعالى كلام اذ لم يمكنه أن يقول إن كلامه صفة له أزلية كما قال أهل السنة والجماعة لأنه لا يثبت لله تعالى صفة ازلية ولم يمكنه أن يقول إن كلامه فعله كما قاله سائر المعتزلة لأن الله سبحانه عنده لم يفعل شيئا من الاعراض والقرآن عنده فعل الجسم الذى حل الكلام فيه وليس هو فعلا لله تعالى ولا صفة له فليس يصح على اصله أن يكون له كلام على معنى الصفة ولا على معنى الفعل واذا لم يكن له كلام لم يكن له امر ونهى وتكليف وهذا يؤدى الى رفع التكليف والى رفع احكام الشريعة وما أراد غيره لأنه قال بما يؤدى اليه
الفضيحة الثالثة من فضائحه دعواه أن كل نوع من الأعراض الموجودة فى الاجسام لا نهاية لعدده وذلك أنه قال اذا كان المتحرك متحركا بحركة قامت به فتلك الحركة اختصت بمحله لمعنى سواها وذلك المعنى ايضا يختص بمحله لمعنى سواه وكذلك القول فى اختصاص كل معنى بمحله لمعنى سواه لا الى نهاية وكذلك اللون والطعم والرائحة وكل عرض يختص بمحله لمعنى سواه وذلك المعنى ايضا يختص بمحله لمعنى سواه لا الى نهاية.
وحكى الكعبى عنه فى مقالاته أن الحركة عنده انما خالفت السكون لمعنى سواها وكذلك السكون خالف الحركة لمعنى سواه وان هذين المعنيين مختلفان لمعنيين غيرهما ثم هذا القياس معتبر عنده لا الى نهاية.
وفى هذا القول إلحاد من وجهين :
احدهما قوله بحوادث لا نهاية لها وهذا يوجب وجود حوادث لا يحصيها الله تعالى وذلك عناد لقول الله تعالى {وأحصى كل شىء عددا}.
والثانى إن قوله بحدوث أعراض لا نهاية لها يؤديه الى القول بأن الجسم أقدر من الله لأن الله عنده أنه ما خلق غير الاجسام وهى محصورة عندنا وعنده والجسم اذا فعل عرضا فقد فعل عرضا فقد فعل معه مالا نهاية له من الاعراض ومن خلق ما لا نهاية له ينبغى أن يكون أقدر مما لا يخلق إلا متناهيا فى العدد.
وقد اعتذر الكعبى عنه فى مقالاته بأن قال إن معمرا كان يقول إن الانسان لا فعل له غير الإرادة وسائر الاعراض أفعال الاجسام بالطباع.
فان صحت هذه الرواية عنه لزمه ان يكون الطبع الذى نسب اليه فعل الاعراض اقوى من الله عز وجل لأن افعال الله اجسام محصورة وافعال الطباع أصناف من الاعراض كل صنف منها غير محصور العدد وعلى أن قول معمر بأعراض لا نهاية لها تطريق لاصحاب الظهور والكمون على المسلمين فى حدوث الأعراض وذلك أن المسلمين استدلوا على حدوث الاعراض فى الأجسام بتعاقب المتضادات منها على الاجسام وأنكر أصحاب الكمون والظهور حدوث الاعراض وزعموا أنها كلها موجودة فى الاجسام فاذا ظهر فى الجسم بعض الاعراض كمن فيه ضده واذا كمن فيه العرض ظهر ضده فقال لهم المقصدون لو كمن العرض تارة وظهر تارة لكان ظهوره بعد الكمون وكمونه بعد الظهور لمعنى سواه والا افتقر ذلك المعنى فى ظهوره وكمونه الى معنى سواه لا الى نهاية واذا بطل اجتماع ما لا نهاية له من الاعراض فى الجسم الواحد صح تعاقبها على الجسم من جهة حدوثها فيه لا من جهة الكمون والظهور واذا قال معمر يجوز اجتماع مالا نهاية له من الاعراض فى الجسم لم يصح له دفع اصحاب الكمون والظهور عن دعواهم وجود اعراض لا نهاية لها من اجناس الكمون والظهور فى محل واحد وسوق هذا الاصل يؤدى الى القول بقدم الاعراض وذلك كفر فما يؤدى اليه مثله.
الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله فى الانسان إنه شىء غير هذا الجسد المحسوس وهو حى عالم قادر مختار وليس هو متحركا ولا ساكنا ولا متلونا ولا يرى ولا يلمس ولا يحل موضعا دون موضع ولا يحويه مكان دون مكان.
فاذا قيل له أتقول إن الانسان فى هذا الجسد أم فى السماء أم فى الارض أم فى الجنة أم فى النار؟.
قال لا اطلق شيئا من ذلك ولكنى أقول إنه فى الجسد مدبر وفى الجنة منعم او فى النار معذب وليس هو فى شيء من هذه الاشياء حالا ولا متمكنا لأنه ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا ذى وزن فوصف الانسان بما يوصف به الاله سبحانه لأنه وصفه بأنه حى عالم قادر حكيم وهذه الاوصاف واجبة لله تعالى ثم نزه الانسان عن أن يكون متحركا او ساكنا او حارا او باردا او رطبا او يابسا او ذا لون او وزن او طعم او رائحة والله سبحانه منزه عن هذه الاوصاف وكما زعم أن الانسان فى الجسد مدبر له لا على معنى الحلول والتمكن فيه كذلك الاله عنده فى كل مكان على معنى أن مدبر له عالم بما يجرى فيه لا على معنى الحلول والتمكن فيه فكأنه أراد أن يعبد الانسان لوصفه إياه بما يوصف الاله به فلم يحسن على اظهار القول بذلك فقال بما يؤدى اليه ثم إن هذا القول يوجب عليه أن لا يرى إنسان إنسانا ويوجب أن لا يكون الصحابة رأوا رسول الله وكفاه بذلك خزيا.
الفضيحة الخامسة من فضائحه قوله بأن الله لا يجوز أن يقول فيه انه قديم مع وصفه إياه بأنه موجود أزلي.
الفضيحة السادسة من فضائحه امتناعه عن القول بأن الله تعالى يعلم نفسه لا من شرط المعلوم عنده ان يكون غير العالم به وهذا يبطل عليه بذكر الذاكر نفسه لأنه اذا جاز ان يذكر الذاكر نفسه جاز ان يعلم العالم نفسه وقد افتخر الكعبى فى مقالاته بان معمرا من شيوخه فى الاعتزال ومن افتخر بمثله وهبناه منه وتمثلنا بقول الشاعر:
هل مشتر والسعيد بايعه هل بايع والسعيد من وهبا

الموضوع التالي


ذكرالبشرية منهم

الموضوع السابق


ذكرالأسوارية منهم