الفصل الثامن فى بيان مذاهب المشبهة من أصناف شتى
 
اعلموا أسعدكم الله ان المشبهة صنفان صنف شبهوا ذات البارى بذات غيره وصنف آخرون شبهوا صفاته بصفات غيره وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى.
والمشبهة الذين ضلوا فى تشبيه ذاته بغيره أصناف مختلفة، وأول ظهور التشبيه صادر عن أصناف من الروافض الغلاة.
فمنهم السبابية الذين سموا عليا الها وشبهوه بذات الاله ولما احرق قوما منهم قالوا له الآن علمنا انك اله لان النار لا يعذب بها الا الله.
ومنهم البيانية اتباع بيان بن سمعان الذى زعم أن معبوده انسان من ثور على صورة الانسان فى اعضائه وانه يفنى كله الا وجهه.
ومنهم المغيرية اتباع المغيرة بن سعيد العجلى الذى زعم ان معبوده ذو اعضاء وأن اعضاءه على صور حروف الهجاء.
ومنهم المنصورية اتباع أبى منصور العجلي الذى شبه نفسه بربه وزعم أنه صعد الى السماء وزعم ايضا أن الله مسح يده على رأسه وقال له يا نبى بلغ عنى.
ومنهم الخطابية الذين قالوا بالاهية الائمة وبالاهية أبى الخطاب الاسدى.
ومنهم الذين قالوا بالاهية عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر ومنهم الحلولية الذين قالوا بحلول الله فى أشخاص الائمة وعبدوا الائمة لاجل ذلك.
ومنهم الحلولية الحكمانية المنسوبة الى أبى حكمان الدمشقى الذى زعم أن الاله يحل في كل صورة حسنة وكان يسجد لكل صورة حسنة.
ومنهم المقنعية المبيضة بما وراء نهر جيحون فى دعواهم ان المقنع كان الها وانه مصور فى كل زمان بصورة مخصوصة.
ومنهم العذاقرة الذين قالوا بالاهية ابن أبى العذاقر المقتول ببغداد.
وهذه الاصناف الذين ذكرناهم فى هذا الفصل كلهم خارجون عن دين الاسلام وان انتسبوا فى الظاهر اليه.
وسنذكر تفصيل مقالة كل صنف منهم فى الباب الرابع من أبواب هذا الكتاب اذا انتهينا اليه ان شاء الله عز وجل.
وبعد هذا فرق من المشبهة عدهم المتكلمون فى فرق الملة لا قرارهم بلزوم أحكام القرآن واقرارهم بوجوب أركان شريعة الاسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج عليهم واقرارهم بتحريم المحرمات عليهم وان ضلوا وكفروا فى بعض الاصوال العقلية.
ومن هذا الصنف هشامية منتسبة الى هشام بن الحكم الرافضى الذى شبه معبوده بالانسان وزعم لاجل ذلك أنه سبعة أشبار بشبر نفسه وأنه جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وذو لون وطعم ورائحة وقد روى عنه ان معبوده كسكيبة الفضة وكاللؤلؤة المستديرة وروى عنه أنه أشار الى أن جبل ابى قبيس أعظم منه وروى عنه انه زعم ان الشعاع من معبوده متصل بما يراه ومقالته فى هذا التشبيه على التفصيل الذى ذكرناه فى تفصيل أقوال الامامية قبل هذا.
ومنهم الهشامية المنسوبة إلى هشام بن سالم الجواليقى الذى زعم ان معبوده على صورة الانسان وان نصفه الأعلى مجوف ونصفه الاسفل مصمت وأن له شعرة سوداء وقلبا تنبع منه الحكمة.
ومنهم اليونسية المنسوبة الى يونس بن عبد الرحمن القمى الذى زعم ان الله تعالى يحمله حملة عرشه وان كان هو أقوى منهم كما ان الكركى تحمله رجلاه وهو أقوى من رجليه.
ومنهم المشبهة المنسوبة الى داوود الجوارى الذى وصف معبوده بجميع أعضاء الانسان الا الفرج واللحية.
ومنهم الابراهيمية المنسوبة الى ابراهيم بن أبى يحيى الاسلمى وكان من جملة رواة الاخبار غير انه ضل فى التشبيه نسب الى الكذب في كثير من رواياته.
ومنهم الحايطية من القدرية وهم منسوبون الى احمد بن حايط وكان من المعتزلة المنتسبة الى النظام ثم انه شبه عيسى بن مريم بربه وزعم انه الاله الثانى وأنه هو الذى يحاسب الخلق فى القيامة.
ومنهم الكرامية فى دعواها أن الله تعالى جسم له حد ونهاية وأنه محل الحوادث وأنه مماس لعرشه وقد بينا تفصيل مقالاتهم قبل هذا بما فيه كفاية فهؤلاء مشبهة لله تعالى بخلقه فى ذاته.
فأما المشبهة لصفاته بصفات المخلوقين فاصناف
منهم الذين شبهوا ارادة الله تعالى بإرادة خلقه وهذا قول المعتزلة البصرية الذين زعموا ان الله تعالى عز وجل يريد مراده بارادة حادثة وزعموا أن ارادته من جنس ارادتنا ثم ناقضوا هذه الدعوى بأن قالوا يجوز حدوث إرادة الله عز وجل لا فى محل ولا يصح حدوث إرادتنا الا فى محل وهذا ينقض قولهم إن ارادته من جنس ارادتنا لأن الشيئين اذا كانا متماثلين ومن جنس واحد جاز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر واستحال فى كل واحد منهما ما يستحيل على الآخر.
وزادت الكرامية على المعتزلة البصرية فى تشبيه ارادة الله تعالى بارادات عباده وزعموا ان ارادته من جنس ارادتنا وانها حادثة فيه كما تحدث ارادتنا فينا وزعموا لاجل ذلك ان الله تعالى محل للحوادث تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومنهم الذين شبهوا كلام الله عز وجل بكلام خلقه فزعموا ان كلام الله تعالى اصوات وحروف من جنس الاصوال والحروف المنسوبة الى العباد وقالوا بحدوث كلامه واحال جمهورهم سوى الجبائي بقاء كلام الله تعالى وقال النظام منهم ليس في نظم كلام الله سبحانه اعجاز كما ليس فى نظم كلام العباد اعجاز وزعم اكثر المعتزلة ان الزنج والترك والخزد قادرون على الاتيان بمثل نظم القرآن وبما هو افصح منه وانما عدموا العلم بتأليف نظمه وذلك العلم مما يصح ان يكون مقدورا لهم.
وشاركت الكرامية المعتزلة فى دعواها حدوث قول الله عز وجل مع فرقها بين القول والكلام فى دعواها ان قول الله سبحانه من جنس اصوات العباد وحروفهم وان كلامه قدرته على احداث القول وزادت على المعتزلة قولها بحدوث قول الله عز وجل فى ذاته بناء على اصلهم فى جواز كون الاله محلا للحوادث.
ومنهم الزرارية اتباع زرارة بن اعين الرافضى فى دعواها حدوث جميع صفات الله عز وجل وانها من جنس صفاتنا وزعموا ان الله تعالى لم يكن فى الازل حيا ولا عالما ولا قادرا ولا مريدا ولا سميعا ولا بصيرا وانما استحق هذه الاوصاف حين احدث لنفسه حياة وقدرة وعلما وارادة وسمعا وبصرا كما ان الواحد منا يصير حيا قادرا سميعا بصيرا مريدا عند حدوث الحياة والقدرة والارادة والعلم والسمع والبصر فيه.
ومنهم الذين قالوا من الروافض بأن الله تعالى لا يعلم الشىء حتى يكون فاوجبوا حدوث علمه كما يجب حدوث علم العالم منا.
وهذا باب ان اطلناه طال ونشر الاذيال وقد بينا تفصيل اقوال المعتزلة والمشبهة واقوال سائر الاهواء في كتابنا المعروف بكتاب الملل والنحل وفيما ذكرنا منها في هذا الباب كفاية والله اعلم.