الفصل الاول من فصول هذا الباب فى ذكر قول السبئية وبيان خروجها عن ملة الاسلام
 
السبئية اتباع عبد الله بن سبا الذى غلا في على رضى الله عنه وزعم انه كان نبيا ثم غلا فيه حتى زعم انه إله ودعا الى ذلك قوما من غواة الكوفة ورفع خبرهم الى على رضى الله عنه فامر باحراق قوم منهم في حفرتين حتى قال بعض الشعراء في ذلك:
لترم بى الحوادث حيث شاءت إذا لم ترم بى في الحفرتين
ثم ان عليا رضى الله عنه خاف من احراق الباقين منهم شماتة اهل الشام وخاف اختلاف اصحابه عليه فنفى ابن سبا الى ساباط المدائن فلما قتل على رضى الله عنه زعم ابن سبا ان المقتول لم يكن عليا وإنما كان شيطانا تصور للناس في صورة على وان عليا صعد الى السماء كما صعد اليها عيسى بن مريم عليه السلام وقال كما كذبت اليهود النصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل على وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى كذلك القائلون بقتل على رأوا قتيلا يشبه عليا فظنوا انه على على قد صعد الى السماء وانه سينزل الى الدنيا وينتقم من أعدائه.
وزعم بعض السبابية أن عليا في السحاب وان الرعد صوته والبرق صوته ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال عليك السلام يا أمير المؤمنين.
وقد روى عن عامر بن شراحبيل الشعبى ان ابن سبا قيل له ان عليا قد قتل فقال إن جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته لا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الارض بحذافيرها.
وهذه الطائفة تزعم ان المهدى المنتظر إنما هو على دون غيره وفي هذه الطائفة قال اسحاق بن سويد العدوى قصيدته برىء فيها من الخوارج والروافض والقدرية منها هذه الابيات:
برئت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم وابن باب
ومن قوم اذا ذكروا عليا يردون السلام على السحاب
ولكنى أحب بكل قلبى واعلم ان ذاك من الصواب
رسول الله والصديق حبا به أرجو غدا حسن الثواب
وقد ذكر الشعبى ان عبد الله بن السوداء كان يعين السبابية على قولها وكان ابن السوداء فى الاصل يهوديا من اهل الحيرة فاظهر الاسلام واراد ان يكون له عند اهل الكوفة سوق ورياسة فذكر لهم انه وجد في التوراة ان لكل نبى وصيا وان عليا وصي محمد وانه خير الاوصياء كما ان محمدا خير الانبياء فلما سمع ذلك منه شيعه على قالوا لعلى انه من محبيك فرفع على قدره واجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه عنه غلوه فيه فهم بقتله فنهاه ابن عباس عن ذلك وقال له ان قتلته اختلف عليك اصحابك وانت عازم على العود الى قتال اهل الشام وتحتاج الى مداراة اصحابك فلما خشى من قتله ومن قتل ابن سبا الفتنة التى خافها ابن عباس نفاهما الى المدائن فافتتن بهما الرعاع بعد قتل على رضى الله عنه وقال لهم ابن السوداء والله لينبعن لعلى في مسجد الكوفة عينان تفيض إحداهما عسلا والاخرى سمنا ويغترف منهما شيعته.
وقال المحققون من أهل السنة ان ابن السوداء كان على هوى دين اليهود واراد ان يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في على واولاده لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى عليه السلام فانتسب الى الرافضة السبابية حين وجدهم أعرف أهل الاهواء في الكفر ودلس ضلالته في تأويلاته.
قال عبد القاهر كيف يكون من فرق الاسلام قوم يزعمون أن عليا كان آلها او نبيا ولئن جاز ادخال هؤلاء فى جملة فرق الاسلام جاز ادخال الذين ادعوا نبوة مسيلمة الكذاب فى فرق الاسلام قلنا للسبابية ان كان مقتول عبد الرحمن بن ملجم شيطانا تصور للناس في صورة على فلم لعنتم ابن ملجم وهلا مدحتموه فإن قاتل الشيطان محمود على فعله غير مذموم به وقلنا لهم كيف يصح دعواكم ان الرعد صوت على والبرق صوته وقد كان صوت الرعد مسموعا والبرق محسوسا في زمن الفلاسفة قبل زمان الاسلام ولهذا ذكروا الرعد والبرق في كتبهم واختلفوا في علتهما ويقال لابن السوداء ليس على عندك وعند الذين تميل اليهم من اليهود اعظم رتبة من موسى وهارون ويوشع بن نون وقد صح موت هؤلاء الثلاثة ولم ينبع لهم من الارض عسل ولا سمن بحال نبوع الماء العذب من الحجر الصلد لموسى وقومه في التيه فما الذى عصم عليا من الموت وقد مات ابنه الحسين واصحابه بكر بلاء عطشا ولم ينبع لهم ماء فضلا عن عسل وسمن