الفصل الأول من فصول هذا البابفي بيان أصناف أهل السنة والجماعة
 

اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس :
صنف منهم أحاطوا علما بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد، والثواب والعقاب، وشروط الإجتهاد، والإمامة، والزعامة، وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرءوا من التشبيه والتعطيل، ومن بدع الرافضة والخوارج والجهية والنجارية وسائر أهل الأهواء الضالة.
والصنف الثاني منهم: أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث، من الذين اعتقدوا في أصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية، وتبرءوا من القدر والإعتزال، وأثبتوا رؤية الله تعالى بالأبصار من غير تشبيه ولا تعطيل، وأثبتوا الحشر من القبور، مع إثبات السؤال في القبر، زمع إثبات الحزض والصراط والشفاعة وغفران الذنوب التى دون الشرك.
وقالوا: بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على الكفرة،
وقالوا: بإمامة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة، ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرءوا من أهل الأهواء الضالة، وروأوا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن إجماع الصحابة، ورأوا جواز المسح على الخفين، ووقوع الطلاق الثلاث، ورأوا تحريم المتعة، ورأوا وجوب طاعة السلطان فيما ليس بمعصية.
ويدخل في هذه الجماعة أصحاب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأصحاب أبي ثور وأصحاب أحمد بن حنبل وأهل الظاهر وسائر الفقهاء الذين اعتقدوا في الأبواب العقلية أصول الصفاتية، ولم يخلطوا فقهه بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.
والصنف الثالث منهم: هم الذين أحاطوا علما بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي عليه السلام، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة. والصنف الرابع منهم قوم احاطوا علما باكثر ابواب الادب والنحو والتصريف وجروا على سمت أئمة اللغة كالخليل وابى عمرو بن العلاء وسيبويه والفراء والاخفش والأصمعى والمازنى وأبى عبيد وسائر ائمة النحو من الكوفيين والبصريين الذين لم يخلطوا علمهم بذلك بشىء من بدع القدرية او الرافضة او الخوارج ومن مال منهم الى شىء من الاهواء الضالة لم يكن من اهل السنة ولا كان قوله حجة فى اللغة والنحو.
والصنف الخامس منهم هم الذين أحاطوا علما بوجوه قراءات القرآن وبوجوه تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفق مذاهب اهل السنة دون تأويلات اهل الاهواء الضالة
والصنف السادس منهم الزهاد الصوفية الذين ابصروا فاقصروا واختبروا فاعتبروا ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور وعلموا ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك مسئول عن الخير والشر ومحاسب على مثاقيل الذر فاعدوا خير الاعتداد ليوم المعاد وجرى كلامهم فى طريقى العبارة والاشارة على سمت اهل الحديث دون من يشترى لهو الحديث لا يعملون الخير رياء ولا يتركونه حياء دينهم التوحيد ونفى التشبيه ومذهبهم التفويض الى الله تعالى والتوكل عليه والتسليم لامره والقناعة بما رزقوا والإعراض عن الاعتراض عليه : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
السابع منهم قوم مرابطون فى ثغور المسلمين فى وجوه الكفرة يجاهدون اعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين ويذبون عن حريمهم وديارهم ويظهرون فى ثغورهم مذاهب اهل السنة والجماعة وهم الذين انزل الله تعالى فيهم قوله : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، زادهم الله تعالى توفيقا بفضله ومنه.
والصنف الثامن منهم عامة البلدان التى غلب فيها شعائر اهل السنة دون عامة البقاع التى ظهر فيها شعار اهل الاهواء الضالة.
وانما اردنا بهذه الصنف من العامة عامة اعتقدوا تصويب علماء السنة والجماعة فى ابواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد ورجعوا اليهم فى معالم دينهم وقلدوهم في فروع الحلال والحرام ولم يعتقدوا شيئا من بدع اهل الاهواء الضالة وهؤلاء هم الذين سمتهم الصوفية حشو الجنة.
فهؤلاء اصناف اهل السنة والجماعة ومجموعهم اصحاب الدين القويم والصراط المستقيم ثبتهم الله تعالى بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة انه بالإجابة جدير وعليها قدير