فأما الركن الاول فى اثبات الحقائق والعلوم
 

فقد اجمعوا على اثبات العلوم معانى قائمة بالعلماء وقالوا بتضليل نفاة العلم وسائر الاعراض وبتجهيل السوفسطائية الذين ينفون العلم وينفون حقائق الاشياء كلها وعدوهم معاندين لما قد علموه بالضرورة وكذلك السوفسطائية الذين شكوا فى وجود الحقائق وكذلك الذين قالوا منهم بان حقائق الاشياء تابعة للاعتقاد وصححوا جميع الاعتقادات مع تضادها وتنافيها وهذه الفرق الثلاث كلها كفرة معاندة لموجبات العقول الضرورية.
وقال أهل السنة ان علوم الناس وعلوم سائر الحيوانات ثلاثة انواع علم بديهى وعلم حسى وعلم استدلالى وقالوا من جحد العلوم البديهية او العلوم الحسية الواقعة من جهة الحواس الخمس فهو معاند ومن انكر العلوم النظرية الواقعة عن النظر والاستدلال نظر فيه فان كان من السمنية المنكرة للنظر في العلوم العقلية فهو كافر ملحد وحكمه حكم الدهرية لقوله معهم بقدم العالم وانكار الصانع مع زيادته عليهم القول بابطال الاديان كلها وان كان ممن يقول بالنظر في العقليات وينكر القياس في فروع الاحكام الشرعية كأهل الظاهر لم يكفر بانكار القياس الشرعى.
وقالوا بان الحواس التى يدرك بها المحسوسات خمس وهى حاسة البصر لادراك المرئيات وحاسة السمع لادراك المسموعات وحاسة الذوق لادراك الطعوم وحاسة الشم لادراك الروائح وحاسة اللمس لادراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة بها.
وقالوا ان الاوراكات الواقعة من جهة هذه الحواس معانى قائمة بالآلات التى تسمى حواس وضللوا ابا هاشم بن الجباى فى قوله ان الادراك ليس بمعنى ولا عرض ولا شىء سوى المدرك.
وقالوا ان الخبر المتواتر طريق العلم الضرورى بصحة ما تواتر عنه الخبر اذا كان المخبر عنه مما يشاهد ويدرك بالحس والضرورة كالعلم بصحة وجود ما تواتر الخبر فيه من البلدان التى لم يدخلها السامع المخبر عنها او كعلمنا بوجود الانبياء والملوك الذين كانوا قبلنا فاما صحة دعاوى الانبياء في النبوة فمعلوم لنا بالحجج النظرية.
واكفروا من انكر من السمنية وقوع العلم من جهة التواتر.
وقالوا ان الاخبار التى يلزمنا العمل بها ثلاثة انواع تواتر وآحاد ومتوسط بينهما مستفيض.
فالخبر المتواتر الذى يستحيل التواطؤ على وضعه يوجب العلم الضروري بصحة مخبره وبهذا النوع من الاخبار علمنا البلدان التى لم ندخلها وبها عرفنا الملوك والانبياء والقرون الذين كانوا قبلنا وبه يعرف الانسان والديه اللذين هو منسوب اليهما.
وأما اخبار الآحاد فمتى صح اسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم فى انه يلزمه الحكم بها فى الظاهر وان لم يعلم صدقهم فى الشهادة.
وبهذا النوع من الخبر اثبت الفقهاء اكثر فروع الاحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات وسائر ابواب الحلال والحرام وضللوا من اسقط وجوب العمل باخبار الآحاد في الجملة من الرافضة والخوارج وسائر اهل الاهواء.
واما الخبر المستفيض المتوسط بين التواتر والآحاد فانه يشارك التواتر فى ايجابه للعلم والعمل ويفارقه من حيث ان العلم الواقع عنه يكون علما مكتسبا نظريا والعلم الواقع عن التواتر يكون ضروريا غير مكتسب.
وهذا النوع من الخبر على اقسام :
منها اخبار الانبياء فى انفسهم وكذلك خبر من أخبر النبى عن صدقه يكون العلم لصدقه مكتسبا
ومنها الخبر المنتشر من بعض الناس اذا اخبر به بحضرة قوم لا يصح منهم التواطؤ على الكذب وادعى عليهم وقوع ما اخبر عنه بحضرتهم فاذا لم ينكر عليه احد منهم علمنا صدقة فيه.
وبهذا النوع من الاخبار علمنا معجزة نبينا فى انشقاق القمر وتسبيح الحصا فى يده وحنين الجذع اليه لما فارقه واشباعه الخلق الكثير من الطعام اليسير ونحو ذلك من معجزاته غير القرآن المعجز نظمه فان ثبوت القرآن وظهوره عليه وعجز العرب والعجم عن المعارضة بمثله معلوم بالتواتر الموجب للعلم الضروري.
ومنها أخبار مستفيضة بين ائمة الحديث والفقه وهم مجمعون على صحتها كالاخبار في الشفاعة والحساب والحوض والصراط والميزان وعذاب القبر وسؤال الملكين فى القبر.
وكذلك الأخبار المستفيضة فى كثير من احكام الفقه كنصب الزكاة واخبار الهوا وحد الخمر فى الجملة والاخبار فى المسح على الخفين وفى الرجم وما أشبه ذلك مما اجمع الفقهاء على قبول الاخبار فيها وعلى العمل بمضمونها.
وضللوا من خالف فيها من أهل الاهواء كتضليل الخوارج في انكارها الرجم وتضليل من انكر من النجدات حد الخمر وتضليل من انكر المسح على الخفين وتكفير من أنكر الرؤية والحوض والشفاعة وعذاب القبر.
وكذلك ضللوا الخوارج الذين قطعوا يد السارق في القليل والكثير من الحرز وغير الحرز كردهم الاخبار الصحاح في اعتبار النصاب والحرز في القطع.
وكما ضللوا من رد الخبر المستفيض ضللوا من ثبت على حكم خبر اتفق الفقهاء من فريقي الرأى والحديث على نسخه كتضليل الرافضة في المتعة التى قد نسخت إباحتها.
واتفق أهل السنة على أن الله تعالى كلف العباد معرفته وأمرهم بها وأنه أمرهم بمعرفة رسوله وكتابه والعمل بما يدل عليه الكتاب والسنة وأكفروا من زعم من القدرية والرافضة أن الله تعالى ما كلف أحدا معرفته كما ذهب اليه ثمامة والجاحظ وطائفة من الرافضة.
واتفقوا على أن كل علم كسبى نظرى يجوز أن يجعلنا الله تعالى مضطرين الى العلم بمعلومه واكفروا من زعم من المعتزلة أن المعرفة بالله عز وجل فى الآخرة مكتسبة من غير اضطرار الى معرفتة.
واتفقوا على أن اصول احكام الشريعة القرآن والسنة وإجماع السلف واكفروا من زعم من الرافضة أن لا حجة اليوم في القرآن والسنة لدعواه فيها أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه واكفروا الخوارج الذين ردوا جميع السنن التى رواها نقلة الاخبار لقولهم بتكفير ناقليها واكفروا النظام في انكاره حجة الاجماع وحجة التواتر وقوله بجواز اجتماع الامة على الضلالة وجواز تواطؤ أهل التواتر على وضع الكذب.
فهذا بيان ما اتفق عليه أهل السنة من مسائل الركن الأول.