و أما الركن السادس و هو عدل الإله سبحانه و حكمته
 

وقالوا في الركن السادس وهو الكلام في عدل الاله سبحانه وحكمته ان الله سبحانه خالق الاجسام والاعراض خيرها وشرها وانه خالق اكساب العباد ولا خالق غير الله.
وهذا خلاف قول من زعم من القدرية أن الله تعالى لم يخلق شيئا من اكساب العباد وخلاف قول الجهمية ان العباد غير مكتسبين ولا قادرين على اكسابهم فمن زعم ان العباد خالقون لاكسابهم فهو قدرى مشرك بربه لدعواه ان العباد يخلقون مثل خلق الله من الاعراض التى هى الحركات والسكون فى العلوم والارادات ولاقوال والاصوات وقد قال الله عز وجل فى ذم اصحاب هذا القول : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شىء وهو الواحد القهار ، ومن زعم أن العبد لا استطاعة له على الكسب وليس هو معامل ولا مكتسب فهو جبرى والعدل خارج عن الخبر والقدر ومن قال أن العبد مكتسب لعمله والله سبحانه خالق لكسبه فهو سنى عدلى منزه عن الجبر والقدر.
وأجمع اهل السنة على ابطال قول أصحاب التولد فى دعواهم ان الانسان قد يفعل فى نفسه شيئا يتولد منه فعل فى غيره خلاف قول اكثر القدرية بان الانسان قد يفعل فى غيره افعالا تتولد عن اسباب يفعلها فى نفسه وخلاف قول من زعم من القدرية ان المتولدات افعال لا فاعل لها كما ذهب اليه ثمامة.
وأجمعوا على ان الانسان يصح منه اكتساب الحركة والسكون والارادة والقول والعلم والفكر وما يجرى مجرى هذه الاعراض التى ذكرناها وعلى انه لا يصح منه اكتساب الالوان والطعوم والروائح والادراكات خلاف قول بشر بن المعتمر واتباعه من المعتزلة في دعواهم ان الانسان قد يفعل الالوان والطعوم والروائح على سبيل التولد وزعموا ايضا انه يصح منه فعل الرؤية في العين وفعل ادرك المسموع فى محل السمع وأفحش من هذا قول معمر القدري بان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض وان الاعراض كلها من افعال الاجسام وكفاه بهذه الضلالة خزيا.
وقال اهل السنة ان الهداية من الله تعالى على وجهين :
احدهما من جهة ابانة الحق والدعاء اليه ونصب الادلة عليه وعلى هذا الوجه يصح اضافة الهداية الى الرسل والى كل داع الى دين الله عز وجل لانهم يرشدون اهل التكليف الى الله تعالى وهذا تأويل قول الله عز وجل في رسوله : وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم ، اى تدعو اليه.
والوجه الثانى من هداية الله سبحانه لعباده خلق الاهتداء في قلوبهم كما ذكره في قوله : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ، وهذا النوع من الهداية لا يقدر عليه الا الله تعالى.
والهداية الاولى من الله تعالى شاملة لجميع المكلفين والهداية الثانية من خاصته للمهتدين وفى تحقيق ذلك نزل قول الله تعالى : والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
والاضلال من الله تعالى عند اهل السنة على معنى خلق الضلال في قلوب اهل الضلال كقوله : ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا.
وقالوا من أضله الله فبعدله ومن هداه فبفضله وهذا خلاف قول القدرية في دعواها ان الهداية من الله تعالى على معنى الارشاد والدعاء الى الحق وليس اليه من هداية القلوب شىء وزعموا ان الاضلال منه على وجهين احدهما التسمية بان يسمى الضلال ضلالا والثانى على معنى جزاء اهل الضلال على ضلالتهم ولو صح ما قالوا لوجب أن يقال انه اضل الكافرين لانه سماهم ضالين ولوجب ان يقال ان ابليس أضل الانبياء المؤمنين لانه سماهم ضالين ولزمهم ان يكون من أقام الحدود على الزناة والسارقين والمرتدين مضلا لهم لانه قد جازاهم على ضلالتهم وهذا فاسد فما يؤدى اليه مثله.
وقال أهل السنة في الآجال ان كل من مات حتف انفه أو قتل فانما مات باجله الذى جعله الله أجلا لعمره والله تعالى قادر على ابقائه والزيادة في عمره لكنه متى لم يبقه الى مدة لم تكن المدة التى لم يبقه اليها أجلاله وهذا كما ان المراة التى يتزوجها من قبل موته وهذا كما أن المرأة التي يتزوجها قبل موته لم تكن امرأة له وان كان الله سبحانه قادرا على أن يزوجها من قبل موته وهذا خلاف قول من زعم من القدرية ان المقتول مقطوع عليه اجله وخلاف قول من زعم منهم أن المقتول ليس بميت وجحد فائدة قول الله تعالى : كل نفس ذائقة الموت ، وهذه بدعة ذهب اليها الكعبى وكفى بها خزيا.
وقال اهل السنة في الارزاق بما هى عليه الآن وان كل من أكل شيئا او شربه فانما تناول رزقه حلالا كان أو حراما خلاف قول من زعم من القدرية ان الانسان قد يأكل رزق غيره.
وقالوا في ابتداء التكليف ان الله تعالى لو لم يكلف عباده شيئا كان عدلا منه خلاف قول من زعم من القدرية أنه لو لم يكلفهم لم يكن حكيما.
وقالوا لو زاد في تكليف العباد على ما كلفهم او نقص بعض ما كلفهم كان جائزا خلاف قول من ابى ذلك من القدرية.
وكذلك لو لم يخلق الخلق لم يلزمه بذلك خروج عن الحكمة وكان السابق حينئذ في علمه انه لا يخلق.
وقالوا لو خلق الله تعالى الجمادات دون الاحياء جاز ذلك منه خلاف قول من قال من القدرية أنه لو لم يخلق الاحياء لم يكن حكيما.
وقالوا لو خلق الله تعالى عباده كلهم في الجنة لكان ذلك فضلا منه خلاف قول من زعم من القدرية انه لو فعل ذلك لم يكن حكيما وهذا حجر منهم على الله سبحانه ونحن لا نرى الحجر عليه بل نقول له الامر والنهى وله القضاء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.