الفصل الخامس من فصول هذا الباب في بيان عصمة الله أهل السنة عن تكفير بعضهم بعضا
 

أهل السنة لا يكفر بعضهم بعضا، وليس بينهم خلاف يوجب التبرى والتكفير. فهم إذن أهل الجماعة القائمون بالحق، والله تعالى يحفظ الحق وأهله، فلا يقعون في تنابذ وتناقض، وليس فريق من فرق المخالفين إلا وفيهم تكفير بعضهم لبعض، وتبرى بعضهم من بعض، كالخوارج، والروافض، والقدرية، حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضا، وكانوا بمنزلة اليهود والنصارى حين كفر بعضهم بعضا، حتى قالت اليهود: لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ، ، وقال الله سبحانه وتعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً .
وقد عصم الله أهل السنة من أن يقولوا في أسلاف هذه الأمة منكرا، أو يطعنوا فيهم طعنا، فلا يقولون في المهاجرين، والأنصار، وأعلام الدين، ولا في أهل بدر، وأحد، وأهل بيعة الرضوان، إلا أحسن المقال، ولا في جميع من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وأولاده، وأحفاده، مثل الحسن والحسين، والمشاهير من ذرياتهم، مثل عبد الله ابن الحسن، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضا عليهم السلام، ومن جرى منهم على السداد من غير تبديل ولا تغيير، ولا في الخلفاء الراشدين، ولم يستجيزوا أن يطعنوا في واحد منهم.
وكذلك في أعلام التابعين، وأتباع التابعين الذين صانهم الله تعالى عن التلوث بالبدع، وإظهار شيء من المنكرات، ولا يحكمون في عوامّ المسلمين إلا بظاهر إيمانهم، ولا يقولون بتكفير واحد منهم إلا أن يتبين منه ما يوجب تكفيره، ويصدقون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لاَيَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، ، أخرجه البخاري، وقد ورد أنه يشفع كل واحد منهم في عدد ربيعة ومضر، ويوجبون على أنفسهم الدعاء لمن سلف من هذه الأمة، كمت أمر الله تعالى في كتابه حيث قال: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِللاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ،