النوع الحادي والعشرون‏:‏ معرفة الموضوع
 

النوع الحادي والعشرون‏:‏ معرفة الموضوع
وهو المختلق المصنوع‏.‏
اعلم‏:‏ أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان، إلا مقروناً ببيان وضعه‏.‏ بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن، حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب، على ما نبينه قريباً إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏59‏)‏ وإنما يعرف كون الحديث موضوعاً بإقرار واضعه، أو ما يتنزل منزلة إقراره‏.‏ وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها‏.‏
ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيراً مما لا دليل على وضعه، وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة‏.‏
والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم ضرراً قوم من المنسوبين إلى الزهد، وضعوا الحديث احتساباً فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركوناً إليهم‏.‏ ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها، والحمد لله‏.‏
وفيما روينا عن الإمام أبي بكر السمعاني‏:‏ أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب‏.‏
ثم إن الواضع‏:‏ ربما صنع كلاماً من عند نفسه فرواه، وربما أخذ كلاماً لبعض الحكماء أو غيرهم، فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وربما غلط غالط، فوقع في شبه الوضع من غير تعمد، كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث‏:‏ من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار‏.‏
مثال‏:‏ روينا عن أبي عصمة - وهو نوح بن أبي مريم -أنه قيل له‏:‏ من أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ‏؟‏ فقال‏:‏ إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة‏.‏
وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة فسورة‏.‏ بحث باحث عن مخرجه، حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه، وإن أثر الوضع لبِّين عليه‏.‏ ولقد أخطأ الواحدي المفسر، ومن ذكره من المفسرين، في إيداعه تفاسيرهم، والله أعلم‏.‏