القسم الخامس من أقسام طرق نقل الحديث وتلقيه‏:‏ المكاتبة‏
 

وهي أن يكتب الشيخ إلى الطالب وهو غائب شيئاً من حديثه بخطه، أو يكتب له ذلك وهو حاضر‏.‏ ويلتحق بذلك ما إذا أمر غيره بأن يكتب له ذلك عنه إليه‏.‏
وهذا القسم ينقسم أيضاً إلى نوعين‏:‏
أحدهما‏:‏ أن تتجرد المكاتبة عن الإجازة‏.‏
‏(‏99‏)‏ والثاني‏:‏ أن تقترن بالإجازة، بأن يكتب إليه ويقول ‏(‏أجزت لك ما كتبته لك، أو‏:‏ ما كتبت به إليك‏)‏ أو نحو ذلك من عبارات الإجازة‏.‏
أما الأول‏:‏ وهو ما إذا اقتصر على المكاتبة‏:‏ فقد أجاز الرواية بها كثير من المتقدمين والمتأخرين، منهم ‏(‏أيوب السختياني‏)‏، و‏(‏منصور‏)‏، و‏(‏الليث بن سعد‏)‏، وقاله غير واحد من الشافعيين، وجعلها ‏(‏أبو المظفر السمعاني‏)‏ منهم أقوى من الإجازة، وإليه صار غير واحد من الأصوليين‏.‏
وأبى ذلك قوم آخرون‏.‏ وإليه صار من الشافعيين ‏(‏القاضي الماوردي‏)‏ وقطع به في كتابه ‏(‏الحاوي‏)‏‏.‏
والمذهب الأول هو الصحيح المشهور بين أهل الحديث‏.‏ وكثيراً ما يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم قولهم ‏(‏كتب إلي فلان قال‏:‏ حدثنا فلان‏)‏ والمراد به هذا‏.‏ وذلك معمول به عندهم، معدود في المسند الموصول‏.‏ وفيها إشعار قوي بمعنى الإجازة، فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظاً فقد تضمنت الإجازة معنىً‏.‏
ثم يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب، وإن لم تقم البينة عليه‏.‏
ومن الناس من قال‏:‏ الخط يشبه الخط فلا يجوز الاعتماد على ذلك‏.‏ وهذا غير مرضي، لأن ذلك نادر، والظاهر‏:‏ أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره، ولا يقع فيه التباس‏.‏
ثم ذهب غير واحد من علماء المحدثين وأكابرهم، منهم ‏(‏الليث بن سعد‏)‏ و‏(‏منصور‏)‏‏:‏ إلى جواز إطلاق ‏(‏حدثنا وأخبرنا‏)‏ في الرواية بالمكاتبة‏.‏
والمختار‏:‏ قول من يقول فيها ‏(‏كتب إلي فلان قال‏:‏ حدثنا فلان بكذا وكذا‏)‏ وهذا هو الصحيح اللائق بمذاهب أهل التحري والنزاهة‏.‏ وهكذا لو قال ‏(‏أخبرني به مكاتبةً أو كتابةً‏)‏ ونحو ذلك من العبارات‏.‏
أما المكاتبة المقرونة بلفظ الإجازة‏:‏ فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة، والله أعلم‏.‏