النوع الحادي والستون‏:‏ معرفة الثقات والضعفاء
 
النوع الحادي والستون‏:‏ معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث
هذا من أجل نوع و أفخمه، فإنه المرقاة إلى معرفة صحة الحديث وسقمه، ولأهل المعرفة بالحديث فيه تصانيف كثيرة‏.‏
منها ما أفرد في الضعفاء ككتاب ‏(‏الضعفاء‏)‏ ‏(‏للبخاري‏)‏ و‏(‏الضعفاء‏)‏ ‏(‏للنسائي‏)‏ و‏(‏الضعفاء‏)‏ للعقيلي وغيرها‏.‏
ومنها في الثقات فحسب، ككتاب ‏(‏الثقات‏)‏ ‏(‏لأبي حاتم بن حبان‏)‏‏.‏
ومنها ما جمع فيه بين الثقات والضعفاء، ‏(‏كتاريخ البخاري‏)‏ و‏(‏تاريخ بن أبي خيثمة‏)‏، وما أغزر فوائده، وكتاب ‏(‏الجرح والتعديل‏)‏ ‏(‏لابن أبي حاتم الرازي‏)‏‏.‏
‏(‏237‏)‏ روينا عن صالح بن محمد الحافظ جزرة قال‏:‏ أول من تكلم في الرجال شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده ‏(‏أحمد ابن حنبل‏)‏، ويحيى بن معين‏.‏
قلت‏:‏ وهؤلاء يعني أنه أول من تصدى لذلك وعُني به، وإلا فالكلام فيه جرحاً وتعديلاً متقدم، ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وجُوز ذلك صوناً للشريعة، ونفياً للخطأ والكذب عنها‏.‏
وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة‏.‏ ورويت عن ‏(‏أبي بكر بن خلاد‏)‏ قال‏:‏ قلت ‏(‏ليحيى بن سعيد‏)‏‏:‏ أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة ‏؟‏
فقال‏:‏ لأن يكونوا خصمائي أحبُّ إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لي لـمَ لم تذب الكذب عن حديثي‏.‏
وروينا - أو‏:‏ بلغنا - أن ‏(‏أبا تراب النخشبي الزاهد‏)‏، سمع من ‏(‏أحمد بن حنبل‏)‏ شيئاً من ذلك، فقال له‏:‏ يا شيخ ‏!‏ لا تغتاب العلماء‏.‏
فقال له‏:‏ ويحك ‏!‏ هذا نصحية ‏!‏ ليس هذا غيبة‏.‏
ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى، ويتثبت ويتوقى التساهل، كيلا يجرح سليماً ويسم بريئاً بسمة سوء، يبقى عليه الدهر عارها‏.‏ وأحسب ‏(‏أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم‏)‏ - وقد قيل‏:‏ إنه كان يعد من الأبدال - من مثل ما ذكره خاف‏.‏ ‏(‏248‏)‏
فيما رويناه أو بلغناه‏:‏ أن ‏(‏يوسف بن الحسين الرازي‏)‏، وهو الصوفي، دخل عليه وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل، فقال له‏:‏ كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة، منذ مائة سنة، ومائتي سنة، وأنت تكذبهم وتغتابهم ‏؟‏ فبكى ‏(‏عبد الرحمن‏)‏‏.‏
وبلغنا أيضاً‏:‏ أنه حُدث وهو يقرأ كتابه ذلك على الناس، عن ‏(‏يحيى بن معين‏)‏ أنه قال‏:‏ إنا لنطعن على أقوام، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة‏.‏ فبكى ‏(‏عبد الرحمن‏)‏، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده‏.‏
قال المؤلف‏:‏ وقد أخطأ فيه غير واحد على غير واحد، فجرحوهم بما لا صحة له‏.‏
من ذلك‏:‏ جرح ‏(‏أبي عبد الرحمن النسائي‏)‏ ‏(‏لأحمد بن صالح‏)‏، وهو إمام حافظ ثقة، لا يعلق به جرح، أخرج عنه ‏(‏البخاري‏)‏ في‏(‏صحيحه‏)‏ وقد كان من ‏(‏أحمد‏)‏ إلى ‏(‏النسائي‏)‏ جفاء أفسد قلبه عليه‏.‏
وروينا عن ‏(‏أبي يعلى الخليلي‏)‏ الحافظ قال‏:‏ اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه‏.‏
قلت‏:‏ ‏(‏النسائي‏)‏ إمام حجة في الجرح والتعديل، وإذا نسب مثله إلى مثل هذا كان وجهه‏:‏ أن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة، تُعمى عنه بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمداً لقدح يعلم بطلانه، فاعلم هذا، فإنه من النكت النفيسة المهمة‏.‏
وقد مضى الكلام في أحكام الجرح والتعديل في النوع الثالث والعشرين والله أعلم‏.‏