النوع الرابع والستون‏:‏ معرفة الموالي من الرواة والعلماء
 
النوع الرابع والستون‏:‏ معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل‏:‏ فلان القرشي - أنه منهم صليبةً، فإذاً بيان من قيل فيه ‏(‏قرشي‏)‏ من أجل كونه مولى لهم مهم‏.‏
‏(‏243‏)‏ واعلم أن فيهم من يقال فيه ‏(‏مولى فلان‏)‏ أو ‏(‏لبني فلان‏)‏والمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك‏.‏ ومنهم من أطلق عليه لفظ ‏(‏المولى‏)‏ والمراد بها ولاء الإسلام‏.‏ ومنهم ‏(‏أبو عبد الله البخاري‏)‏، فهو ‏(‏محمد بن إسماعيل الجعفي‏)‏ مولاهم، نسب إلى ولاء ‏(‏الجعفيين‏)‏ لأن جده - وأظنه الذي يقال له الأحنف - أسلم وكان مجوسياً، على يد ‏(‏اليمان بن أخنس الجعفي‏)‏، جد ‏(‏عبد الله بن محمد المُسَندي الجعفي‏)‏ أحد شيوخ ‏(‏البخاري‏)‏‏.‏
وكذلك ‏(‏الحسن بن عيسى الماسرجِسي‏)‏، مولى ‏(‏عبد الله بن المبارك‏)‏، إنما ولاؤه من حيث كونه أسلم - وكان نصرانياً - على يديه‏.‏
ومنهم من هو مولى بولاء الحِلف والموالاة، ‏(‏كمالك بن أنس‏)‏ الإمام ونفره، هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موالٍ لتيم قريش بالحلف‏.‏ وقيل‏:‏ لأن جده ‏(‏مالك بن أبي عامر‏)‏ كان عسيفاً على ‏(‏طلحة بن عبيد الله التيمي‏)‏، أي أجيراً، وطلحة يختلف بالتجارة، فقيل‏:‏ مولى التيميين، لكونه مع ‏(‏طلحة بن عبيد الله التيمي‏)‏‏.‏
وهذا قسم رابع في ذلك، وهو نحو ما أسلفناه في مقسمٍ أنه قيل فيه ‏(‏مولى ابن عباس‏)‏ للزومه إياه‏.‏
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم‏:‏ ‏(‏أبو البَختَري الطائي سعيد ابن فيروز التابعي‏)‏، هو مولى طيء‏.‏
‏(‏أبو العالية رُفَيع الرياحي التميمي التابعي‏)‏، كان مولى امرأة من بني رباح‏.‏
‏(‏عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي‏)‏، أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما، هو مولى بني هاشم‏.‏
‏(‏الليث بن سعد المصري الفَهْمي‏)‏، مولاهم‏.‏
‏(‏عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي‏)‏، مولاهم‏.‏
عبد الله بن وهب المصري القرشي، مولاهم‏.‏
‏(‏عبد الله بن صالح المصري‏)‏ كاتب ‏(‏الليث الجهني‏)‏، مولاهم‏.‏
‏(‏244‏)‏ وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي، الراوي عن ‏(‏أبي هريرة‏)‏ و‏(‏ابن عمر‏)‏، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى ‏(‏شُقران‏)‏ مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم‏.‏
روينا عن ‏(‏الزهري‏)‏ قال‏:‏ قدمت على ‏(‏عبد الملك بن مروان‏)‏ فقال‏:‏ من أين قدمت يا زهري ‏؟‏ قلت‏:‏ من مكة‏.‏ قال‏:‏ فمن خلفت بها يسود أهلها ‏؟‏ قلت‏:‏ ‏(‏عطاء بن أبي رباح‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ قال‏:‏ وبمَ سادهم ‏؟‏ قلت‏:‏ بالديانة والرواية‏.‏ قال‏:‏ إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا‏.‏ قال‏:‏ فمن يسود أهل اليمن ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ ‏(‏طاووس بن كيسان‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ قال‏:‏ وبم سادهم ‏؟‏ قلت‏:‏ بما سادهم به عطاء‏.‏ قال‏:‏ إنه لينبغي‏.‏ قال‏:‏ فمن يسود أهل مصر ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ ‏(‏يزيد بن أبي حبيب‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ قال‏:‏ فمن يسود أهل الشام ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ مكحول‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل‏.‏ قال‏:‏ فمن يسود أهل الجزيرة ‏؟‏ قلت‏:‏ ‏(‏ميمون بن مهران‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ قال‏:‏ فمن يسود أهل خراسان ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ ‏(‏الضحاك بن مزاحم‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ قال‏:‏ فمن يسود أهل البصرة ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ ‏(‏الحسن بن أبي الحسن‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ قال‏:‏ ويلك فمن يسود أهل الكوفة ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ ‏(‏إبراهيم النخعي‏)‏‏.‏ قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي ‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ من العرب‏.‏ قال‏:‏ ويلك يا زهري ‏!‏ فرّجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ‏؟‏ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط‏.‏
وفيما نرويه عن ‏(‏عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏)‏ قال‏:‏ لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصَّها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة ‏(‏سعيد بن المسيب‏)‏، غير مدافع‏.‏
‏(‏245‏)‏ قلت‏:‏ وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ‏(‏ابن المسيب‏)‏ فقهاء أئمة مشاهير، منهم ‏(‏الشعبي والنخعي‏)‏، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ‏(‏ابن المسيب‏)‏ عرب إلا ‏(‏سليمان بن يسار‏)‏، والله أعلم‏.‏