من كتاب الصلاة : الحديث الرابع الى الخامس عشر
 

...
من كتاب الصلاة
"الحديث الرابع" قال البخاري باب الخوخة الممر في المسجد حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح هو بن سليمان حدثنا أبو النضر عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده الحديث قال الدارقطني هذا السياق غير محفوظ واختلف فيه على فليح فرواه محمد بن سنان هكذا وتابعه المعافة بن سليمان الحراني ورواه سعيد بن منصور ويونس بن محمد المؤذن وأبو داود الطيالسي عن فليح عن أبي النضر عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد جميعا عن أبي سعيد قلت أخرجه مسلم عن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة عن يونس وابن حبان في صحيحه من حديث الطيالسي ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد ولم يذكر عبيد بن حنين أخرجهما البخاري في مناقب أبي بكر فهذه ثلاثة أوجه مختلفة فأما رواية أبي عامر فيمكن ردها إلى رواية سعيد بن منصور بأن يكون اقتصر فيها على أحد شيخي أبي النضر دون الآخر وقد رواه مالك عن أبي النضر عنهما جميعا حدث به القعنبي في الموطأ عنه وتابعه جماعة عن مالك خارج الموطأ وأخرجه البخاري أيضا عن ابن أبي أويس عن مالك في الهجرة لكنه اقتصر فيه على عبيد بن حنين حسب وأما رواية محمد بن سنان فوهم لأنه صير بسر بن سعيد شيخا لعبيد بن حنين وإنما هو رفيقه في رواية هذا الحديث ويمكن أن تكون الواو سقطت قبل قوله: "عن بسر وقد صرح بذلك البخاري فيما رواه أبو علي بن السكن الحافظ في زوائده في الصحيح قال أنبأنا الفربري قال قال البخاري هكذا رواه محمد بن سنان عن فليح وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف فقد أفصح البخاري بأن شيخه سقطت عليه الواو من هذا السياق وإن من إسقاطها نشأ هذا الوهم وإذا رجعنا إلى الإنصاف لم تكن هذه علة قادحة مع هذا الإيضاح والله أعلم
"الحديث الخامس" قال الدارقطني أخرجا جميعا حديث مالك عن الزهري عن أنس قال كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وهذا مما ينتقد به على مالك لأنه رفعه وقال فيه إلى قباء وخالفه عدد كثير منهم شعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد ومعمر الليث
(1/351)


بن سعد وابن أبي ذئب وآخرون انتهى وقد تعقب النسائي أيضا على مالك وموضع التعقب منه قوله إلى قباء والجماعة كلهم قالوا إلى العوالي ومثل هذا الوهم اليسير لا يلزم منه القدح في صحة الحديث لا سيما وقد أخرجا الرواية المحفوظة والله أعلم
"الحديث السادس" روى البخاري من طريق شعبة قال أخبرني سعد بن إبراهيم سمعت حفص بن عاصم قال سمعت رجلا من الأزد يقال له مالك بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم آلصبح أربعا آلصبح أربعا وقال حماد عن سعد عن حفصة عن مالك وقال ابن إسحاق عن سعد عن حفص عن عبد الله بن مالك بن بحينة ورواه قبل ذلك عن عبد العزيز عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن حفص عن عبد الله بن مالك به قال أبو مسعود الدمشقي أهل العراق منهم شعبة وحماد وأبو عوانة يقولون مالك بن بحينة وأهل الحجاز يقولون عبد الله بن مالك بن بحينة وهو الصواب وذكر البخاري في تاريخه ترجمة عبد الله بن مالك بن بحينة ثم قال وقال بعضهم مالك بن بحينة والأول أصح قلت وهذا لا يعل هذا الخبر لأن أهل النقد اتفقوا على أن رواية أهل العراق له عن سعد فيها وهم والظاهر أن ذلك من سعد بن إبراهيم إذ حدث به بالعراق وقد اغتر بن عبد البر بظاهر هذا الإسناد فقال لعبد الله بن بحينة ولأبيه مالك صحبة والله أعلم
"الحديث السابع" قال الدارقطني أخرج البخاري أحاديث للحسن عن أبي بكرة منها حديث زادك الله حرصا ولا تعد والحسن إنما يروي عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة يعني فيكون الحديث منقطعا وسيأتي الكلام على ذلك قريبا في الكسوف إن شاء الله تعالى
"الحديث الثامن" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المسيء صلاته وقول النبي صلى الله عليه وسلم له ارجع فصل فإنك لم تصل وقد خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم منهم أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعيسى بن يونس وغيرهم فرووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة لم يذكروا أباه ويحيى حافظ ويشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين والله أعلم قلت ورجح الترمذي رواية يحيى القطان وهذا من قبيل الحديث الثاني وقد أوضحنا الجواب عن مثل ذلك هناك
"الحديث التاسع" قال الدارقطني وأخرج البخاري عن آدم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن ابن وديعة عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الجمعة وقد اختلف فيه على المقبري فقال ابن عجلان عنه عن أبيه عن ابن وديعة عن أبي ذر وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر أبا ذر ولا سلمان ورواه الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر بينهما أحدا وقال عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة انتهى ورواه البخاري أيضا من حديث بن المبارك عن ابن أبي ذئب به وقد اختلف فيه على بن أبي ذئب أيضا فقال أبو علي الحنفي فيما رويناه في مسند الدارمي عنه مثل رواية آدم وكذا رويناه في صحيح بن حبان من طريق عثمان ابن عمر عن ابن أبي ذئب ورواه أحمد في مسنده عن أبي النضر وحجاج بن محمد جميعا
(1/352)


عن ابن أبي ذئب كذلك وقال أبو داود الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن سلمان وهذه رواية شاذة لأن الجماعة خالفوه ولأن الحديث محفوظ لعبد الله بن وديعة لا لعبيد الله بن عدي وأما بن عجلان فلا يقارب بن أبي ذئب في الحفظ ولا تعلل رواية بن أبي ذئب مع إتقانه في الحفظ برواية بن عجلان مع سوء حفظه ولو كأن ابن عجلان حافظا لأمكن أن يكون بن وديعة سمعه من سلمان ومن أبي ذر فحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا وقد إختار بن خزيمة في صحيحه هذا الجمع وأخرج الطريقين معا طريق بن أبي ذئب من مسند سلمان وطريق بن عجلان من مسند أبي ذر رضي الله عنهما وأما أبو معشر فضعيف لا معنى للتعليل بروايته وأما رواية عبيد الله بن عمر فهو من الحفاظ إلا أنه اختلف عليه كما ترى فرواية الدراوردي لا تنافي رواية بن أبي ذئب لأنها قصرت عنها فدل على أنه لم يضبط إسناده فأرسله ورواية عبد الله بن رجاء إن كانت محفوظة فقد سلك الجادة في أحاديث المقبري فقال عن أبي هريرة فيجوز أن يكون للمقبري فيه إسناد آخر وقد وجدته في صحيح بن خزيمة من رواية صالح بن كيسان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وإذا تقرر ذلك عرف أن الرواية التي صححها البخاري أتقن الروايات والله أعلم
"الحديث العاشر" قال الدارقطني وأخرج البخاري عن محمد بن عبد الرحيم عن سعيد بن سليمان عن هشيم عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات قال وقد أنكر أحمد بن حنبل هذا من حديث هشيم عن عبيد الله بن أبي بكر وقال إنما رواه هشيم عن محمد بن إسحاق عن حفص بن عبيد الله عن أنس وقيل إن هشيما كان يدلسه عن عبيد الله بن أبي بكر وقد رواه مسعر ومرجأ بن رجاء وعلي بن عاصم عن عبيد الله ولا يثبت منها شيء انتهى كلامه وأحمد بن حنبل إنما استنكره لأنه لم يعرفه من حديث هشيم لأن هشيما كان يحدث به قديما هكذا ثم صار بعد لا يحدث به إلا عن محمد بن إسحاق ولهذا لم يسمعه منه إلا كبار أصحابه وأما قوله إن هشيما كان يدلس فيه فمردود فرواية البخاري نفسها عن هشيم قال أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر فذكرها والعجب من الإسماعيلي أيضا فإنه أخرجه من رواية أبي الربيع الزهراني عن هشيم عن عبيد الله ثم قال هشيم يدلس وكأنه لما رواه عنه معنعنا ظن أن هشيما دلسه ومن هنا يظهر شفوف نظر البخاري على غيره وأما رواية مرجأ بن رجاء فعلقها البخاري في الباب ووصلها أحمد بن حنبل وابن خزيمة في صحيحه والإسماعيلي ولا أدري ما معنى قول الدارقطني لا يثبت منها شيء وقد رواه غير من ذكر أخرجه بن حبان في صحيحه والإسماعيلي في مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر نحوه نعم رواية مسعر لا يصح إسنادها عنه وعلي بن عاصم ضعيف وأما الطريق التي ذكرها عن هشيم عن محمد بن إسحاق فروراها أحمد بن منيع في مسنده والترمذي في جامعه والإسماعيلي في مستخرجه من طريق هشيم وقد ظهر بما قررناه أن إحدى الطريقين لا تعل الأخرى والله أعلم
"الحديث الحادي عشر" قال البخاري حدثنا محمد حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح عن فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح هكذا في جميع الروايات التي وقعت لنا عن البخاري إلا أن في رواية أبي علي
(1/353)


ابن السكن تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة وحديث جابر أصح كذا وقع عنده قال أبو علي الجياني والظاهر أن هذا الإصلاح من قبله قلت والتخليط فيه ممن دون البخاري وقد ذكره أبو مسعود الدمشقي في الأطراف محررا فذكر حديث أبي تميلة وبعده تابعه يونس بن محمد عن فليح وقال محمد بن الصلت عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة قال البخاري وحديث جابر أصح وكذا حكاه أبو نعيم في مستخرجه وحكى البرقاني نحوه ثم قال أبو مسعود متعقبا عليه إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة لا عن جابر قال وكذا رواه الهيثم بن جميل عن فليح قلت ولم يصب أبو مسعود في دعواه أن رواية يونس بن محمد إنما هي من مسند أبي هريرة فقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن يونس بن محمد من مسند جابر كما قال البخاري ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي وكذا رواه أبو جعفر العقيلي في مصنفه من حديث يونس وكذا قال الترمذي إن أبا تميلة ويونس بن محمد روياه عن فليح عن سعيد عن جابر نعيم رويناه من طريق محمد بن عبيد الله بن المنادى وأحمد بن الأزهر وعلي بن معبد ثلاثتهم عن يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة كما قال أبو مسعود وقوى بهذا أن لسعيد بن الحارث فيه شيخين وقد ذكر أبو مسعود أيضا أن محمد بن حميد رواه عن أبي تميلة فصيره من مسند أبي هريرة ولكن محمد بن حميد لا يحتج به ورواية محمد بن الصلت قد ذكرت من وصلها في فصل التعليق ولله الحمد
"لحديث الثاني عشر" قال الدارقطني أخرج البخاري أحاديث للحسن عن أبي بكرة منها حديث الكسوف والحسن إنما يروي عن الأحنف عن أبي بكرة قلت البخاري معروف أنه كان ممن يشدد في مثل هذا وقد أخرج البخاري حديث الكسوف من طرق عن الحسن علق بعضها ومن جملة ما علقه فيه رواية موسى بن إسماعيل عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال أخبرني أبو بكرة فهذا معتمده في إخراج حديث الحسن ورده على من نفى أنه سمع من أبي بكرة باعتماده على إثبات من أثبته وسيأتي مزيد بذلك في فضل الحسن بن علي بن أبي طالب إن شاء الله تعالى
"الحديث الثالث عشر" قال الدارقطني أخرجا جميعا حديث بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تسافر وليس معها محرم قال الدارقطني وقد رواه مالك ويحيى بن أبي كثير وسهيل عن سعيد عن أبي هريرة يعني لم يقولوا عن أبيه قلت لم يهمل البخاري حكاية هذا الاختلاف بل ذكره عقب حديث بن أبي ذئب والجواب عن هذا الاختلاف كالجواب في الحديث الثاني فإن سعيدا المقبري سمع من أبيه عن أبي هريرة وسمع من أبي هريرة فلا يكون هذا الاختلاف قادحا وقد اختلف فيه على مالك فرواه بن خزيمة في صحيحه من حديث بشر بن عمر عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وقال بعده لم يقل أحد من أصحاب مالك في هذا الحديث عن سعيد عن أبيه غير بشر بن عمر أه وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه من حديث بشر بن عمر أيضا وصحح بن حبان الطريقين معا والله أعلم
"الحديث الرابع عشر" قال الدارقطني أخرج البخاري حديث الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل وقد اختلف فيه على
(1/354)


الأوزاعي فقال عمرو بن أبي سلمة والوليد بن مسلم وغيرهما عنه عن يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سلمة زادوا رجلا أه وهذا القول فيه كالقول في الذي قبله بل صرح الأوزاعي هنا بالتحديث عن يحيى وصرح يحيى بالتحديث عن أبي سلمة فانتفت تهمة التدليس والراوي له هكذا عنده عن الأوزاعي عبد الله بن المبارك وهو من الحفاظ المتقنين ومع ذلك فالبخاري لم يهمل حكاية الخلاف في ذلك بل ذكره تعليقا وأخرج مسلم طريق عمرو بن أبي سلمة كما أوضحته في تغليق التعليق
"الحديث الخامس عشر" قال الدارقطني وأخرجا جميعا حديث شعبة عن عمرو عن جابر إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين وقد رواه بن جريج وابن عيينة وحماد بن زيد وأيوب وورقاء وحبيب بن يحيى كلهم عن عمرو أن رجلا دخل المسجد فقال له صليت قلت هذا يوهم أن هؤلاء أرسلوه وليس كذلك فقد أخرجه الشيخان من رواية حماد بن زيد وسفيان ابن عيينة ومسلم من حديث أيوب وابن جريج كلهم عن عمرو بن دينار موصولا وإنما أراد الدارقطني أن شعبة خالف هؤلاء الجماعة في سياق المتن واختصره وهم إنما أوردوه على حكاية قصة الداخل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بصلاة ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهي قصة محتملة للخصوص وسياق شعبة يقتضي العموم في حق كل داخل فهي مع اختصارها أزيد من روايتهم وليست بشاذة فقد تابعه على ذلك روح بن القاسم عن عمرو بن دينار أخرجه الدارقطني في السنن فهذا يدل على أن عمرو بن دينار حدث به على الوجهين والله أعلم ووقع في هذا الموضع للمزي في الأطراف شيء ينبغي التنبيه عليه وذلك أنه قال في أول ترجمة شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر حديث أن رجلا جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أصليت قال لا الحديث خ في الصلاة عن آدم م فيه عن ابندار عن غندر يعني كلاهما عن شعبة به وهذا اللفظ الذي صدر به الحديث ليس هو لفظ شعبة كما ترى
(1/355)