حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف
 
وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنْ الإِقْتَارِ.
قوله: "باب" هو منون.و قوله: "السلام من الإسلام" زاد في رواية كريمة: "إفشاء السلام " والمراد بإفشائه نشره سرا أو جهرا، وهو مطابق للمرفوع في قوله: "على من عرفت ومن لم تعرف".وبيان كونه من الإسلام تقدم في باب إطعام الطعام مع بقية فوائده.وغاير المصنف بين شيخيه اللذين حدثاه عن الليث مراعاة للإتيان بالفائدة الإسنادية، وهي تكثير الطرق حيث يحتاج إلى إعادة المتن، فإنه لا يعيد الحديث الواحد في موضعين على صورة واحدة. فإن قيل: كان يمكنه أن يجمع الحكمين في ترجمة واحدة ويخرج الحديث عن شيخيه معا، أجاب الكرماني: باحتمال أن يكون كل من شيخيه أورده في معرض غير المعرض الآخر، وهذا ليس بطائل، لأنه متوقف على ثبوت وجود تصنيف مبوب لكل من شيخيه، والأصل عدمه. ولأن من اعتنى بترجمة كل من قتيبة وعمرو بن خالد لم يذكر أن لواحد منهما تصنيفا على الأبواب، ولأنه لزم منه أن البخاري يقلد في التراجم، والمعروف الشائع عنه أنه هو الذي يستنبط الأحكام في الأحاديث، ويترجم لها، ويتفنن في ذلك بما لا يدركه فيه غيره. ولأنه يبقى السؤال بحاله إذ لا يمتنع معه أن يجمعهما المصنف، ولو كان سمعهما مفترقين.والظاهر من صنيع البخاري أنه يقصد تعديد شعب الإيمان كما قدمناه، فخص كل شعبة بباب تنويها بذكرها، وقصد التنويه يحتاج إلى التأكيد فلذلك غاير بين الترجمتين.قوله: "وقال عمار" هو ابن ياسر، أحد السابقين الأولين، وأثره هذا أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب الإيمان من طريق سفيان الثوري، ورواه يعقوب بن شيبة في مسنده من طريق شعبة وزهير ابن معاوية وغيرهما كلهم عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر عن عمار، ولفظ شعبة: "ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان " وهو بالمعنى، وهكذا رويناه في جامع معمر عن أبي إسحاق. وكذا حدث به عبد الرزاق في مصنفه عن معمر، وحدث به عبد الرزاق بأخرة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذا أخرجه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي، وكذا رواه البغوي في شرح السنة من طريق أحمد بن كعب الواسطي، وكذا أخرجه ابن الأعرابي في معجمه عن محمد بن الصباح الصنعاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعا.
(1/82)


واستغربه البزار.وقال أبو زرعة: هو خطأ.قلت: وهو معلول من حيث صناعة الإسناد، لأن عبد الرزاق تغير بأخرة، وسماع هؤلاء منه في حال تغيره، إلا أن مثله لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع، وقد رويناه مرفوعا من وجه آخر عن عمار أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده ضعف، وله شواهد أخرى بينتها في " تعليق التعليق". قوله: "ثلاث" أي: ثلاث خصال، وإعرابه نظير ما مر في قوله: "ثلاث من كن فيه" ، والعالم بفتح اللام والمراد به هنا جميع الناس، والإقتار: القلة وقيل: الافتقار، وعلى الثاني فمن في قوله: "من الإقتار " بمعنى مع، أو بمعنى عند. قال أبو الزناد بن سراج وغيره: إنما كان من جمع الثلاث مستكملا للإيمان لأن مداره عليها، لأن العبد إذا اتصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقا واجبا عليه إلا أداه، ولم يترك شيئا مما نهاه عنه إلا اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان. وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع، وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحابب، والإنفاق من الإقتار يتضمن غاية الكرم، لأنه إذا أنفق من الاحتياج كان مع التوسع أكثر إنفاقا، والنفقة أعم من أن تكون على العيال واجبة ومندوبة، أو على الضيف والزائر، وكونه من الإقتار يستلزم الوثوق بالله، والزهد في الدنيا، وقصر الأمل، وغير ذلك من مهمات الآخرة. وهذا التقرير يقوي أن يكون الحديث مرفوعا، لأنه يشبه أن يكون كلام من أوتي جوامع الكلم. والله أعلم.
(1/83)


الموضوع السابق


7 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطًا - وَسَعْدٌ جَالِسٌ - فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ.فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا" ، فَسَكَتُّ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي َلأرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ "أَوْ مُسْلِمًا" ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: "يَا سَعْدُ، إِنِّي لأعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ." وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ