حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَيْفٍ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ: "أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلاَلًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَسَأَلْتُ بِلاَلًا فَقُلْتُ أَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ "نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ" [الحديث397- أطرافه في: 4400,4289,2988,1599,1598,1167,506,505,504,468]
 
قوله :"عن سيف" هو ابن سليمان أو ابن أبي سليمان المكي. قوله: "أتى ابن عمر" لم أقف على اسم الذي أخبره بذلك. قوله: "وأجد" بعد قوله: "فأقبلت" وكان المناسب للسياق أن يقول ووجدت، وكأنه عدل عن الماضي إلى المضارع استحضارا لتلك الصورة حتى كأن المخاطب يشاهدها. قوله: "قائما بين البابين" أي المصراعين وحمله الكرماني تجويزا على حقيقة التثنية وقال: أراد بالباب الثاني الذي لم تفتحه قريش حين بنت الكعبة باعتبار ما كان، أو كان إخبار الراوي بذلك بعد أن فتحه ابن الزبير، وهذا يلزم منه أن يكون ابن عمر وجد بلالا في وسط الكعبة، وفيه بعد. وفي رواية الحموي " بين الناس " بنون وسين مهملة وهي أوضح. قوله: "قال نعم ركعتين" أي صلى ركعتين، وقد استشكل الإسماعيلي وغيره هذا مع أن المشهور عن ابن عمر من طريق نافع وغيره عنه أنه قال: "ونسيت أن أسأله كم صلى " قال فدل على أنه أخبره بالكيفية وهي تعيين الموقف في الكعبة، ولم يخبره بالكمية، ونسى هو أن يسأله عنها، والجواب عن ذلك أن يقال: يحتمل أن ابن عمر اعتمد في قوله في هذه الرواية ركعتين على القدر المتحقق له، وذلك أن بلالا أثبت له أنه صلى ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل في النهار بأقل من ركعتين، فكانت الركعتان متحققا وقوعهما لما عرف بالاستقراء من عادته. فعلى هذا فقوله: "ركعتين " من كلام ابن عمر لا من كلام بلال. وقد وجدت ما يؤيد هذا ويستفاد منه جمعا آخر بين الحديثين، وهو ما أخرجه عمر بن شبة في " كتاب مكة " من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث: "فاستقبلني بلال فقلت: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا؟ فأشار بيده أي صلى ركعتين بالسبابة والوسطى؛ فعلى هذا فيحمل قوله: "نسيت أن أسأله كم صلى " على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه لفظا، وإنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه. وأما قوله في الرواية الأخرى " ونسيت أن أسأله كم صلى " فيحمل على أن مراده أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أو لا. وأما قول بعض المتأخرين: يجمع بين الحديثين بأن ابن عمر نسى أن يسأل بلالا ثم لقيه مرة أخرى فسأله، ففيه نظر من وجهين: أحدهما أن الذي يظهر أن القصة - وهي سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة - لم تتعدد، لأنه أتى في السؤال بالفاء المعقبة في الروايتين معا، فقال في هذه فأقبلت ثم قال فسألت بلالا. وقال في الأخرى فبدرت فسألت بلالا، فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدا في وقت واحد. ثانيهما أن راوي قول ابن عمر " ونسيت " هو نافع مولاه ويبعد مع طول ملازمته له إلى وقت موته أن يستمر على حكاية النسيان ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلا. والله أعلم. وأما ما نقله عياض أن قوله: "ركعتين " غلط من يحيى بن سعيد القطان لأن ابن عمر قد قال: "نسيت أن أسأله
(1/500)


كم صلى " قال: وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد، فهو كلام مردود، والمغلط هو الغالط، فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع، ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط، فقد تابعه أبو نعيم عند البخاري والنسائي، وأبو عاصم عند ابن خزيمة، وعمر بن علي عند الإسماعيلي، وعبد الله بن نمير عند أحمد كلهم عن سيف، ولم ينفرد به سيف أيضا فقد تابعه عليه خصيف عن مجاهد عند أحمد، ولم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد والنسائي، وعمرو بن دينار عند أحمد أيضا باختصار، ومن حديث عثمان ابن أبي طلحة عند أحمد والطبراني بإسناد قوي، ومن حديث أبي هريرة عند البزار، ومن حديث عبد الرحمن ابن صفوان قال: "فلما خرج سألت من كان معه فقالوا: صلى ركعتين عند السارية الوسطى " أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، ومن حديث شيبة بن عثمان قال: "لقد صلى ركعتين عند العمودين " أخرجه الطبراني بإسناد جيد، فالعجب من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين فقال بغير علم، ولو سكت لسلم. والله الموفق. قوله: "في وجه الكعبة" أي مواجه باب الكعبة. قال الكرماني: الظاهر من الترجمة أنه مقام إبراهيم - أي أنه كان عند الباب - قلت: قدمنا أنه خلاف المنقول عن أهل العلم بذلك، وقدمنا أيضا مناسبة الحديث للترجمة من غير هذه الحيثية، وهي أن استقبال المقام غير واجب، ونقل عن ابن عباس كما رواه الطبراني وغيره أنه قال: ما أحب أن أصلي في الكعبة، من صلى فيها فقد ترك شيئا منها خلفه، وهذا هو السر أيضا في إيراد حديث ابن عباس في هذا الباب.

الموضوع السابق


حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الحديث495- أطرافه في: 1793,1647,1645,1627,1623] وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ [الحدبث أطرافه في:1794,1646,1624]